بيروت- الرسالة نت ووكالات
توقع خبراء وسياسيون دوليون شنَّ الكيان الصهيوني حربًا جديدة على قطاع غزة المحاصر؛ رغبة من العدو في تحقيق نصر معنوي فقط، وأكدوا عدم قدرته على إعادة احتلال القطاع المحاصر، وربطوا بين إمكانية شن الكيان أي حرب خلال العام الجاري بمدى علاقته بأمريكا ومدى تفاعل شعبه في هذه الحرب.
وقال حلمي موسى المتخصص في الشئون الصهيونية خلال ندوة "الكيان واحتمالات الحرب في سنة 2010م" التي عقدها مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت، بالتعاون مع مركز دراسات الشرق الأوسط في عمّان: إن طبيعة الكيان الوجودية تختلف عن كافة الدول والكيانات الأخرى بأنها كيان قائم على مبدأ القوة، وتربط قدرتها على الاستمرار بقدرتها على الاحتفاظ بهذه القوة؛ وبالتالي فإن من أساسيات نظرية الأمن القومي الصهيوني هو أن وجود الكيان لا يحتمل تعرضها لأية هزيمة.
ونبّه موسى إلى الفارق بين الاستعداد الدائم للحرب وأخذ قرار بالحرب، خاصة مع التغيرات التي تشهدها المنطقة، وما نتج عن حرب 2006م وعدوان غزة 2009م، وتغير العلاقة الأمريكية الصهيونية والمأزق الأمريكي الحالي في الشرق الأوسط.
واستبعد موسى إمكانية لجوء الكيان حاليًّا للخيار العسكري الكامل تجاه أي طرف من الأطراف، وإن كانت قد تهدد بذلك كنوع من الابتزاز السياسي، غير أن الوضع الحالي- على جموده- يخدم مصالحها أكثر، وقال: "غزة لا تُشكل تهديدًا حقيقيًّا لها، كما أن الكيان يسير بمخططاتها الاستيطانية التوسعية والتهويدية في الضفة الغربية والقدس، وهي نقطة أيدتها مداخلات الحاضرين، الذين أجمعوا أن الكيان لا يوفّر فرصة للاستفادة من الوضع الحالي من انقسام فلسطيني وانسداد في عملية السلام".
وقال الدكتور جواد الحمد مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في عمّان: إن أبرز الأهداف التي قد تدفع الكيان لشن حرب جديدة هي الحاجة الصهيونية لتحقيق نصر معنوي وحفظ ماء وجهها بعد الحربين الأخيرتين؛ خاصة وأن غزة هي اليوم "الحلقة الأضعف" أو "الخاصرة الرخوة" بين الجبهات المحتملة.
وأضاف الحمد أنه على الرغم من أن هذه الجبهة لا تعني كثيرًا للكيان بالمعنى الإستراتيجي إلا أن الجوّ العام في الكيان يشير إلى التهيؤ لها سياسيًّا وعسكريًّا بانتظار اللحظة المناسبة، واصفًا المسألة بأنها مسألة وقت ونضج إقليمي ودولي.
واستبعد إمكانية قيام الكيان بشنّ ضربة عسكرية شاملة لإعادة احتلال القطاع أساسًا؛ ورجّح أن تكتفي بالضربات النوعيّة المحدودة في حال اختارت التعامل مع القطاع عسكريًّا، مثل التوغلات المحدودة أو عمليات الاغتيال.
وحول احتمالات الحرب على الجبهة الشمالية ولبنان تحديدًا، وصف العميد الدكتور أمين حطيط المرحلة القائمة حاليًّا في المنطقة بأنها مرحلة "عرض القوة"، لكن الانتقال إلى مرحلة استعمال هذه القوة مرتبط بمسألتين أساسيتين هما: اطمئنان القوة المهاجمة إلى قدرتها على تحقيق أهدافها أولاً وثانيًا إلى قدرتها على توظيف نتائج الحرب لخدمة مصالحها السياسية.
وفي حالة لبنان، قال حطيط: إن المتغيرات بعد حرب 2006م ليست في صالح شنّ الكيان لمثل هذه الحرب، خاصةً مع الإعلان الثلاثي الأخير في دمشق.
وأكّد أن عملية ترميم القوة والاستعداد للحرب هي عملية قائمة دائمًا في الكيان، إلا أن اتخاذ قرار بدء الحرب المحدد في تفصيل "متى التنفيذ" هو المؤجل، ليختم قائلاً: "إنّ الحرب على لبنان مستبعدة في المدى المنظور (6-16 شهرًا) على الأقل".
أما احتمالات الحرب على جبهة إيران استعرض الدكتور طلال عتريسي العلاقات الإيرانية الأمريكية منذ وصول باراك أوباما للحكم، وكيف تغيرت من رغبته الأولية بمقاربة مختلفة والعودة لحوار، ليصل مرحلة التصعيد بعد الانتخابات الإيرانية، وعودة الحديث إلى طرح كل الخيارات للتعامل مع الملف الإيراني. وأضاف عتريسي أن الضغوط التي مورست على إيران فشلت، سواءً في فكِّ تحالفها مع سوريا أو في إرباكها ومعمعتها داخليًّا؛ وأن مسألة العقوبات المطروحة للمناقشة لن تكون مجدية في ظل اعتراض الصين وروسيا على أية عقوبات جدية؛ ما يبقينا أمام احتمالين: أولاً، ضرب إيران عسكريًّا وردود الفعل المحتملة، التي لا يمكن حاليًّا لأمريكا معرفتها أو الاستخبار عن حدودها.
وتساءل: "هل ستمتنع عن الرد لتبدو بصورة الضحية، أم سترد ردًا محدودًا؟ أو شاملاً؟".وتعددت مداخلات الحضور التي بدأها النائب العميد وليد سكرية، الذي ركّز على التغيّر الذي شهدته حركات المقاومة وقوى الممانعة، وعلاقتها ببعضها البعض، مشبهًا إياها بـ"أحجار الدومينو التي إن سقط أحدها يسقط الكل".
وأضاف سكرية أن أمريكا تسعى حاليًّا لتفكيك قوى الممانعة وعزل إيران عن العرب، وأنه في حال كانت هناك ضربة عسكرية لإيران فلن تكون من أمريكا بل من الكيان؛ متسائلاً عن مدى استعداد الكيان لمثل هذه الضربة المستبعدة.
أما بالنسبة لسوريا، فقال العميد سكرية: إن الحرب مع سوريا ليست من مصلحة الكيان لعاملين رئيسيين، أولهما أن سوريا اليوم قد طورت استراتيجيتها الدفاعية، وبالتالي قادرة على الرد نوعاً ما؛ وثانيًا وهو الأهم أن هذا الردّ بالصواريخ سيكلّف الكيان خسائر أعلى بكثير من سوريا، سواء اقتصاديًّا أو سكانيًّا؛ حيث إن الشعب السوري قادر على التحمل والتضحية أكثر.
وأشار صقر أبو فخر، الكاتب والباحث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية، إلى أنه قد يكون هناك تسرّع في استبعاد احتمال الحرب، وأن احتمال الحرب قائم نظريًّا وحتى عمليًّا، فإن هناك إشارات ذات دلالة ضمنها المناورات والاستخبارات الناشطة وعمليات التسلح من قبل كافة الأطراف المعنية؛ ما يدلّ أنه على الرغم من ضآلتها، فإن احتمالات الحرب قائمة.
وقال أحمد خليفة المتخصص في الشئون الصهيونية: إن جميع المداخلات السابقة استثنت من النقاش التركيب الحالي للجبهة الصهيونية الداخلية، ومدى تأثير ذلك على قرار الحرب.
وبحساب خليفة، فإن هذا العامل له تأثير حاسم، يليه عامل آخر أيضًا وهو العلاقة بين الكيان وأمريكا ومدى قدرة الثانية على دفع الأولى إلى حرب أو لجمها في حال اختارت الذهاب إلى حرب.
الباحث الفلسطيني وليد محمد علي دعا إلى عدم حصر التفكير بالحرب مع الكيان بالمعنى التقليدي، وقال: إن الحرب قائمة وطبيعة الحرب هو ما يختلف؛ في إشارة إلى الممارسات الصهيونية المستمرة من حصار غزة وتهويد واستيطان القدس والضفة الغربية، والتنسيق الأمني، وغيرها من محاولات تصفية المقاومة وإعادة صياغة اصطفافات المنطقة.
أما علي بركة المسئول السياسي لحركة "حماس" في لبنان، فتوسّع في مسألة النظر للأبعاد المختلفة، وأشار إلى جمود عملية التسوية، وإلى رفض نتنياهو لحل الدولتين، وإلى الموقف المصري من حكم "حماس" في غزة، مذكرًا أن خيار الحرب ليس بالضرورة خيار حرب شاملة أو حرب إنهاء وجود، بل ربما تكون حرب بهدف الإضعاف في حالة إيران أو حرب بهدف إسقاط حكم حماس وليس احتلال غزة مجددًا.
الباحث والكاتب د. محمد نور الدين، لفت إلى أن امتلاك إيران لسلاح نووي لا يشكل بحد ذاته تهديدًا وجوديًّا للكيان بسبب إمكانية استخدامه، لكنه يشكل خطرًا وجوديًّا من حيث تهديده لطبيعة العلاقة بين أمريكا والكيان؛ حيث إنّ أمريكا مع الوقت بدأت تشعر بأن حماية وجود الكيان ومصالحها لم يعد خيارًا إستراتيجيًّا في مصلحتها كالسابق، وبأن عليها البحث في الخيارات الأخرى وفي طليعتها الحديث مع دول المنطقة، من جانبه تساءل سهيل الناطور عن مدى العلاقة بين أمريكا والكيان؛ وسيناريوهات الحرب بمعنى ردود الفعل التي قد تنبني على قيام الكيان بخطوة عسكرية تصعيدية؛ ومدى تهيؤ البيئة الإقليمية والدولية للحرب.
وشدَّد الناطور على ضرورة الانتباه لمسائل أخرى لا تقلّ أهمية عن احتمالات الحرب، مثل مخاطر بقاء الواقع الفلسطيني على حاله؛ ما قد يؤدي إلى "تعفّنه"، بحسب تعبير الناطور.
فيما أبدى الدكتور حسين أبو النمل قلقه من الإيقاع العالي الذي يتردد في المنطقة، والذي يعيده شخصيًّا إلى 1967م، وقال: إن الكيان وحده من يتحدث عن الحرب ويكفي نظرة سريعة على الصحافة العربية لندرك هذا الإيقاع".
وحذّر أبو النمل أن مثل هذا الإيقاع قد لا يكون من مصلحة المقاومة، خاصةً من حيث التركيز على إيجابيات المقاومة وسلبيات الكيان، وتجنّب الحديث عن إيجابيات الكيان وما اكتسبته وطورته بعد الحربين الأخيرتين؛ مضيفًا أن الحرب مسألة جدية وكلفتها باهظة، وأن مثل هذا الإيقاع قد يؤدي إلى تشكل رأي عام مفاده "إذا كنا أقوياء وقادرين على التصدّي لإسرائيل، لماذا لا نقوم نحن بشنّ الحرب؟".
أما بخصوص غزة، فذكر أبو النمل أنّ الكيان ليس قلقًا كثيرًا من الوضع في غزة، فهو مريح بالمعنى العملي في الظروف الراهنة، لكنها قلقة من مسألة إيران؛ لأنها أبعد من مسألة تهديد نووي، بل ترتبط بأيديولوجيا الإسلام السياسي والإسلام الحاكم وثبات وقوة حركات المقاومة، وجميعها من المفاهيم التي تسعى الكيان وأمريكا لمحاربتها، الأولى بهدف حماية مصالحها في المنطقة، والثانية بهدف تطبيع وجودها.
وربط رئيس تحرير جريدة (السبيل) الأردنية عاطف الجولاني، إمكانية شنّ حرب على غزة بذكر ثلاثة عوامل تحددّ ما إذا ستكون الحرب محدودة أو شاملة:
ولاً: جاهزية الجانب الصهيوني.
وثانيًا: البعد المتعلّق بتحمّل الثمن القانون والأخلاقي، وهو عامل جديد بعد تقرير جولدستون.
وثالثًا: الموقف الأمريكي والأوروبي؛ حيث تساءل عن مدى جدية الأزمة بين أمريكا والكيان، وإمكانية أن تكون فعلاً بداية مرحلة جديدة من العلاقة بينهما.
نقلا عن اخوان اون لاين