قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: أشعر بالخجل

عماد توفيق
عماد توفيق

عماد توفيق

"استيقظنا هذا الصباح على يوم حزين. قتل الطفل الرضيع علي دوابشة، الذي كان نائما في سريره، والإصابات الخطيرة التي لحقت بأبناء أسرته، شقيقه، والده وأمه التي تكافح من أجل حياتها، لقد جرح قلبنا جميعا.

 يفوق شعوري بالألم شعوري بالخجل ألم على قتل رضيع صغير، ألم على أنّ أبناء شعبي قد اختاروا طريق الإرهاب وفقدوا إنسانيّتهم"‏‎

تحت عنوان "أشعر بالخجل " صدرت هذه الكلمات عن رئيس "الاسرائيلي" (رئوفين ريفلين) 76 عاما .

ريفلين المحامي والسياسي والرئيس السابق للكنيست "الإسرائيلي" والليكودي المتطرف صدمته بشاعة الجريمة المكررة على مدار أكثر من 60 عاما من النكبة العربية الكبرى، فقال هذه الكلمات ورفعها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولكنه لم يتوقع أن يثير عاصفة كهذه في الشبكة التي جرت عليه سيلا من الانتقادات من قبيل:

"أحمد ريفلين، أنت حقّا مثير للاشمئزاز"، "اختار أبناء شعبي طريق الإرهاب وفقدوا إنسانيّتهم؟؟ أي تعميم وحشي هذا. بدلا من تهدئة النفوس يختار الرئيس تحديدًا تأجيجها. أنت بالتأكيد لست رئيسي". وجاء في الردود أيضًا: "رئيس للعرب وليس لليهود!!"، "أخجل بك كيهودي، الخطأ الأكبر أنه تم اختيارك رئيسا، أنت مصدر خجل للشعب اليهودي، لماذا عندما يرتكب العرب العمليات الإرهابية كل يوم لا تردّ، هذا مثير للاشمئزاز، عليك أن تخجل!!"

لا شك ان جريمة احراق الرضيع دوابشة حيا والذي سبقه بعام واحد احراق الطفل ابو خضير، تأتي في وقت ملغم بالمصائب التي تصرف اهتمام الامة عن ادانة حقيقية لهذه الجريمة اللهم الا عبر بيانات التنديد الجافة  في احسن الاحوال.

جريمة احراق الرضيع دوابشة ذو الـ18 شهرا تعري ضعفنا وعجزنا وتشرذمنا وتهافتنا وتنازعنا وانقسامنا السياسي امام العالم، وتكشف بما لا يدع مجالا للشك عجز النخب الفلسطينية سلطة وفصائل عن الدفاع عن حقوق شعبها وتحقيق طموحاته بحياة كريمة فوق ارضه.

تنبري نخبنا الفلسطينية للتنديد بالاقتحامات شبه اليومية للمسجد الاقصى قبلة المسلمين الاولى، متناسين ان هدم الكعبة المشرفة فضلا عن المسجد الاقصى اهون على الله من اراقة دم امرئ مسلم بغير حق، فما بالكم بارتكاب جريمة ارهابية نازية بحق رضيع لم يملك للدفاع عن نفسه سوى الصراخ على امة غيبها الجهل والسكر والتخمة بالمال والنفط.

رغم بشاعة الجريمة التي تصدرت ادانتها ابرز الصحف حول العالم الا انها لن ترقى لدرجة صرف مصر راعية العروبة عن التحضير لاحتفالات افتتاح تفريعة «قناة السويس الجديدة»، واستقبال وزير الخارجية الامريكي، ولن تفلح الجريمة في تعكير صفو التعاون الأمني غير المسبوق مع "اسرائيل" ولن تحقق مصر آمال المتطرفين ولن تسحب سفيرها من تل ابيب.

كما لن تدفع رائحة شواء الرضيع شواهنة الحكومة الاردنية لمجرد التهديد بقطع العلاقات او وقف التعاون الامني خصوصا في محاصرة قطاع غزة، الذي منعت دخول نحو مئة فلسطيني سمحت "اسرائيل" نفسها بخروجهم منه باتجاه قطر، املا ربما في دفع قطر لتشغيل مدرسين اردنيين عوضا عنهم.

اما سلطة عباس في رام الله فلا يتوقع ان تتخذ اي موقف فدائي مثل منع او وقف او حتى مجرد تعليق مؤقت للتنسيق الامني مع الاحتلال، وفي احسن الاحوال لن تخرج عن الدعوة الى تفعيل المقاومة الشعبية- التي تمنعها وتقمعها عمليا- او التهديد باللجوء الى محكمة الجنائيات الدولية التي لا ترد غاصبا ولا تطفئ نيران غضب حتى طفل فلسطيني.

اعتبر البعض اعتراف نتنياهو، وللمرة الاولى بأن ما حصل «عمل ارهابي»، انجاز وتقدم يعبر ربما عن صحوة ضمير، لكنها في الحقيقة لا تعدوا كونها ضريبة كلامية عليه دفعها لتبريد نيران الغضب الدولي والتمويه على الداعم الحقيقي لهذه العمليات الارهابية وهي حكومته الارهابية الأولى في العالم، ولا يتوقع الاقدام على محاسبة او معاقبة القتلة الارهابيين، حيث الصقت التهمة بالمستوطنين في تسمية تضليلية بهدف صرف الاتهام عن الارهاب اليهودي المستند الى نصوص توراتيه ورعاية حكومية وتربية دينية لا سامية قائمة على ابادة الاغيار.

انتفاضة جديدة هي مطلب شعبي يبرز عقب كل جريمة صهيونية، وكـأن الأمر مازال الامر يحتاج الى دعوة، لكن في ذات الوقت الانتفاضة تحتاج الى بيئة داخلية فلسطينية موحدة جامعة كي تضمن قطف ثمار سياسية لأي انتفاضة قد تندلع، كما تحتاج الانتفاضة بكل ما سيصاحبها من تضحيات جسام وشهداء وآلام الى حاضنة عربية داعمة، وهي حاضنة غير متوفرة في ظل الوضع العربي المهترئ والفاشل في احسن الأحوال و المتواطئ في غالب الأحيان .

المطالبة بتحرك عربي لعقد اجتماع عاجل لمجلس الامن من المتوقع ان يصطدم بالفيتو الامريكي الجاهز، كما ان المطالبة بعقد قمة عربية طارئة يبدوا مطلبا غير واقعيا في ظل واقع تحرق فيه شعوب عربية بأكملها في سوريا والعراق واليمن ثم لا تنعقد القمة، فهل ستنعقد من اجل مجرد احراق رضيع.. وفلسطيني أيضا..!!

كما ان الدعوة الى مقاطعة شعبية ورسمية عربية "لإسرائيل" يبدوا مطلبا حالما في ظل احتلال دول سنية وازنة مقعد الحليف "لإسرائيل" في ظل العداء المشترك لإيران، وعليه لا غرابة ان نرى سيارات تحمل لوحات عربية تسير بأمان في شوارع تل ابيب..

لذا ربما على الأمة أن تشعر بالخجل من هذا العار الذي يجللها.

البث المباشر