مقال: غزة تحفظ حافظا وحافظ لا يحفظ غزة!؟

د. عماد الحديدي

لا أحب الكتابة الندية ولا أستسيغ الجدل البيزنطي الممججوج ، ولا أعشق النكات الكاذبة التي تفضي للضحك، ولا أحب التدليس علي الشعوب بقصص وروايات من نسج الخيال وأطرحها وكأنها مسلمات واقعية يبنى عليها، وفي المقابل أحترم الأقلام الحرة الجامعة الوطنية - حتى وإن كان نقدها لاذعا- أما أن يسمح كاتب يعتبر نفسه مخضرما في الكتابة بالتدليس والكذب وأن يتبنى رواية مشروخة ويسقطها على غزة ومقاومتها وشرفائها الذين وقفوا في وجه من أطلق رصاصة الرحمة على العرس الانتخابي الفلسطيني وحق التداول السلمي للسلطة والقرارات الرئاسية الانشقاقية فقدموا من أجل ذلك لحمهم ودمهم وأبنائهم وأموالهم، وحفظوا جيلا من الجهل و الضياع والحرمان والموت البطيء، فهذا أمر لا يقبل ولا يقفز عليه.

إن المقال المعنون (غزة - العريش.." دولة حماس") والمنشور بتاريخ 4-8-2015

في موقع صحيفة " الخليج" الإماراتية ، هو ضربة قوية بحق الشعب الفلسطيني الغزي، بل هو اعتداء صارخ علي كرامة هذا الشعب الذي قدم ويقدم الشهداء والجرحى من أجل المحافظة علي الهوية والقضية الفلسطينية، ويعتبر هذا المقال جريمة مركبة ليس بأقل من جريمة رسام الكاركتير الأخيرة بحق أهلنا في الضفة الغربية، فلست أدري من هو الفلسطيني الذي يمكن أن يفكر في الخروج من وطنه أو أن يساومه بأكثر بقع الأرض سخاء ورخاء، فغزة يا حافظ تحفظ الأرض والعرض كيف لا، وأهلها ما زالوا يحملون ويحتفظون بمفاتيح بيوتهم، وحلم العودة إلي مدنهم وقراهم الفلسطينية يرونه رأي العين قادم لا محال، أما تسمع كلماتهم و أشعارهم وأهازيجهم!، أما تسمع عن بطولاتهم! أما تسمع عن تضحياتهم ومعاركهم في زكيم وخلف خطوط العدو وناحل العوز وأبو مطيبق!، أما تسمع عن خطف جنود الاحتلال من ساحات الوغي ومن مسافة الصفر ، بينما أنت تعيد روايات من يعيد الجنود والمستوطنين الذين جاءوا وما دخلوا الضفة إلا لأهداف أمنية وعسكرية ومع ذلك ثم تسليمهم للمحتل، متناسين أهات وأنات ألاف الأسرى الذين يقبعون في باستيلات الاعتقال الصهيوني ينتظرون خبرا سعيدا يأذن بتحريرهم، ويعلمون علم اليقين أن تحريرهم لا يتم إلا من خلال صفقات الحرية والعزة والكرامة لفصائل المقاومة وعلى رأسهم من تتهمها زورا وبهتانا بأنها تريد إقامة "دولة حماس" فإذا كانت المخابرات المصرية رفعت تقريرا مفصلا للرئاسة المصرية تدحض فيه كل الافتراءات والأكاذيب التي لفقت ضد حماس بالتدخل في الشؤون المصرية ورفعت رايتها البيضاء، بل ذهبت لأبعد من ذلك في توصياتها لقيادتها أن المصلحة القومية المصرية تكمن في التعاون والتنسيق مع حركة حماس كي تضبط الحدود بكل حزم وقوة، فماذا تريد يا حافظ من إعادة ترديد هذه الاسطوانة العفنة؟ أتريد تشديد الحصار المشدد على أطفال غزة فتحرمهم الحليب والعلاج؟ أم تريد أن تتركهم أسرى أمراض مزمنة فتقتلهم وتفرقهم وتمزق عائلاتهم؟ أم تريد حرمان آلاف الطلبة من الالتحاق بجامعاتهم وكلياتهم خارج الوطن؟ أم تريد أن تشرب نخب الانتصار على أنات آلاف المواطنين الذين حرموا إقامتهم وأعمالهم؟ قلي بربك ماذا تريد من بث الأكاذيب وإذكاء الفتنة ما بين مصر وحماس ذلك الفصيل الأكبر ورافع لواء الجهاد والمقاومة، في الوقت الذي يتغنى صاحب هذه الروايات بأنه ضد المقاومة بل ضد من يتحرك دمه انتقاما لعائلة دوابشة وأطفالها، فيصدر القرارات العاجلة بملاحقة واعتقال وقتل كل من يحاول الانتقام لهذه الأسرة المحروقة؟

فلا يوجد يا حافظ بغزة من يريد أن يأخذ شبرا واحدا من أرض الكنانة، ولعل ذاكرتك السوداء طمست الصفحة المشرقة لأبناء غزة عندما تدافع الناس نحو الجدار الحدودي ما بين غزة ومصر وفتحوا ثغورا فدخلت غزة عن بكرة أبيها داخل مصر، دخلوها لشراء حاجاتهم وليقضوا أوقات جميلة على شواطئ وكورنيش العريش، أذكرك يا حافظ وعلى لسان زملائنا المثقفين والكتاب بان الاقتصاد العرايشي ارتفع أكثر من 500% حتى أقفلت المحلات التجارية المختلفة لنفاد بضاعتها، وعاد أهل غزة جميعا ولم يتخلف منهم واحدا، ولم تحدث مشاجرة واحدة، عادوا وهم معززين مكرمين يحتفظون بأجمل الأوقات التي قضوها مع الشعب والجيش المصري الباسل حيث التقى الكرم الغزي مع حسن الضيافة والمعاملة المصرية، فأهل غزة يدافعون الآن عن الحدود المصرية الفلسطينية لصالح الأمن القومي الفلسطيني والمصري، ويتم ذلك تحت سمع وبصر المخابرات المصرية، فأهل غزة أهل الوفاء يا حافظ وأهل العزة يا حافظ فكيف يا حافظ لا يحفظون مصطفى حافظ العميد المصري الذي كان وفيا لغزة ومدرب فدائييها الذي أزعج بن جوريون وموسى ديان ورصدوا لاغتياله مليون دولار في حين لم تكلف عملية اغتيال المبعوث الدولي إلى فلسطين اللورد برنادوت أكثر من 300 دولار، بينما حافظ الفلسطيني يسيء لغزة ويتهمها بما هي منه بريئة جملة وتفصيلا، فيا حافظ لا أيلاند ولا شارون ولا نتنياهو يستطيعون حرف بوصلة غزة لأنها منعقدة في اتجاه القدس ويافا وعكا وأسدود ، ولا أموال الدنيا كلها تستطيع أن تنتزع من غزة موقفا غير فلسطينيا؟؟        

 فإن كنت لا تعرف غزة يا حافظ وأنت الفلسطيني فاقرأ ما يكتبه من لا تستطيع رد عنجهيتهم وهم يستبيحون شوارع الضفة؟ لأنهم يعرفون غزة أكثر منك يا حافظ؟ فغزة لا تعرف الورود والقبلات بل تعرف الرصاص والقتل والأسر، ولأنهم عرفوا ويعرفون غزة جيدا فها هم يرسلون الرسل والوفود وعلى أعلى المستويات والشخصيات الدبلوماسية العالمية؟ أتدري يا حافظ لماذا؟ ليس حبا بغزة وليس لكي يحيدوا غزة أو يسلخوها من الجسد الفلسطيني كما تتوهم وتعتقد؟ بل لأن غزة يا حافظ مقبرتهم ونهاية مشروعهم المغتصب لأرضك يا حافظ؟ ولأن غزة بوابة تحريرك من الران الجاثم على قلبك والسواد الذي أعمى بصيرتك والشحم الذي أصم أذنيك؟ لأن غزة يا حافظ هي بوابة عبور جيش التحرير الفلسطيني الواعد لتحرير فلسطين كل فلسطين، وليس جيش التحرير الفلسطيني الذي عرفته يا حافظ والذي تمزق في البلدان العربية وتجرد من عزته وخلع بزته العسكرية على أبواب غزة وأريحا، ورضي بأن يكون حارسا أمنيا في يدي من أعدم قادته (الرئيس عرفات، أبو جهاد، أبو يوسف، الكمالين،.. والقائمة تطول)، جيش التحرير الفلسطيني الذي أعرفه ولا تعرفه أنت يا حافظ هو الذي يعيش في غزة فوق أرضها وتحتها وعلى ثغورها في مواقع الجهاد وصولا لمخيمات الإعداد التي يتدافع إليها الفتيان والشباب والشيوخ، في مخيمات طلائع التحرير؟؟ الذي وصل عدد المنتسبين لها هذا العام أكثر من 20000 مشارك؟ جيل لا تعرفه يا حافظ لأنك ما ذقت نصرا حقيقيا كما ذاقه أهل غزة؟ يا حافظ التحرك القادم سيكون شمالا وليس جنوبا، وعندها أنت وأمثالك ستأتون صاغرين رافعين علم فلسطين هاتفين تحيا فلسطين، تحيا المقاومة الفلسطينية، تحيا كتائب عز الدين القسام وسرايا القدس وأبو على مصطفي ..، عرفت غزة يا حافظ، فليس عيبا أن تعتذر لأهل غزة كما اعتذر رسام الكاركتير لأهل الضفة؟؟ فكن حافظا يا حافظ؟؟

البث المباشر