لم يكد ينتهِ الحديث عن الزيارة المفاجئة لوفد من قيادة "حماس" مكة المكرمة ولقائها ولي العهد السعودي، ومدى تحسن العلاقات بين تلك الدولة العربية الكبرى والحركة المقاومة، حتى تلقت الحركة دعوة من وزير الخارجية الروسي لزيارة موسكو خلال الفترة المقبلة.
تلك الدعوة الروسية، وما سبقها من انتعاش سعودي-حمساوي إيجابي، اُعتبرت إحياءً لعلاقات الحركة بدول المنطقة، وإدراكا لأهميتها وثقلها، وأنها تشكل جزءًا مهما من أي معادلات يُمكن أن ترسم في المنطقة العربية والاقليمية.
وبحسب جواد الحمد، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بالأردن، فإن الانفتاح السياسي اليوم من الدول العربية والمجتمع الدولي نسبيا على حركة حماس، والحوارات التي تجريها بعض الأطراف الأوروبية والأمريكية، يهدف إلى تحقيق غرضين، أولهما محاولة احتواء الحركة ضمن منظومة العمل السياسي في المنطقة وتحليل مواقفها التي قد تعطل مسلك المفاوضات الفلسطينية-(الإسرائيلية)، أو التوافقات الدولية على تحولات من شأنها تحقيق "الأمن والسلام" في المنطقة.
ثاني تلك الأهداف، هو محاولة إعادة تأهيل حركة حماس سياسيا وفق نظرة المجتمع الدولي، بمعنى نقل مربع سخطها من الحصار المفروض عليها وأزمتها السياسية، إلى مربع التفكير والتعاون السياسي واحترام قواعد اللعبة الدولية والاقليمية في المنطقة، وأن تكون شريكا في صناعة "السلام" والاستقرار في المنطقة، خاصة فيما يخص القضية الفلسطينية.
واعتبر الحمد أن حماس تواجه اليوم تحديات ومخاطر حقيقية على وضعها السياسي في المنطقة، وأن عليها استغلال ما أسماها "فرصة انفتاح نافذة اتصالات حقيقية للتعاون مع المجتمع الدولي".
وشدد مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بالأردن على ضرورة أن تكون قرارات الحركة خلال لقاءاتها دقيقة ومنهجية وجماعية، بعيدا عن الارتجال أو رسم الآمال العريضة، وأن تتبنى سياسة "نعم ولكن" على قاعدة الانفتاح المحسوب برؤية سياسية ناضجة ومتقدمة تهتم بالكليات أكثر من الجزئيات، وفق قوله.
وقال لـ"الرسالة": "على حماس التعامل في أي حراك دولي برؤية سياسية واضحة المعالم والأهداف، ومتفق عليها داخل الحركة، والفرصة أمامها متاحة الآن لإعادة تقييم هذا التحرك الدولي إزائها، والمحافظة على إمكانية أن تستمر الدول الكبرى في هذه العملية الآن، ومن الضروري أن تحرص على عدم الانسياق وراء محاور في المنطقة على حساب أخرى".
وأشار إلى أن دعوة روسيا لحماس لزيارتها ولقاء فلاديمير بوتين، بعد اجتماع رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل بوزير الخارجية الروسي في الدوحة، تعكس استغلال روسيا لما رأته من مواقف الحركة وأطروحاتها، كفرصة لأن تقدم نفسها للمجتمع الدولي على أنها قوة تتمتع بعلاقات متينة مع منظمة كحركة حماس.
كما أكد على أنه يجب الانتباه إلى أن ما يجري على الصعيدي الأوروبي والأمريكي، وحراك روسيا التي هي جزء من الرباعية الدولية، يأتي في سياق سياسي فقط، لا في سياق مبادئ أو قيم لهذه الدولة او تلك، وفق قوله.
الزيارة المرتقبة لروسيا لن تكون الأولى، فبعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006، وتشكيلها الحكومة الفلسطينية العاشرة، سارعت موسكو بدعوة مشعل لزيارتها ولقاء بوتين، فيما تواصلت اللقاءات والاتصالات بين روسيا والحركة.
من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي حسام الدجني، أن روسيا تريد اليوم من خلال دعوتها لحماس، الاستفادة من قدرتها على التأثير على التنظيم العالم لجماعة الاخوان المسلمين، واقناعهم بخطورة المخطط الأمريكي القائم على تقسيم المنطقة طائفيا بشكل يهدد أمن المنطقة ككل.
وأوضح الدجني أن روسيا ترى أهمية في اقناع حماس بالعودة إلى دمشق، وترميم علاقتها مع طهران، كما أنها تريد تحسين الصورة الروسية أمام العالم الإسلامي من خلال علاقتها بحركة اسلامية كبيرة تحوز على ثقة العالمين العربي والإسلامي كحماس، ما قد يدفع المقاتلين العرب إلى العدول عن المشاركة في القتال ضد روسيا بالشيشان، وفق قوله.
وقال: "تريد روسيا أيضا التلويح بورقة حماس أمام اللوبي اليهودي المسيطر على الاقتصاد الروسي والذي يعمل على إضعاف روسيا، خاصة أنه يعمل بالتنسيق مع الادارة الامريكية"، مضيفا أن "تراجع دور الولايات المتحدة في المنطقة يشكل فرصة لإنهاء نظام القطب الواحد وعودة النظام الدولي إلى نظام متعدد الأقطاب".
في المقابل، يوضح الدجني أن حماس تريد من روسيا اختراق الحصار الدولي المفروض على الشعب الفلسطيني بعد فوز حماس بانتخابات 2006، وأن لقاءاتها مع روسيا وغيرها تعكس رؤيتها الاستراتيجية المتمثلة بضرورة الانفتاح على العالم وتوضيح طبيعة وأدوات الصراع العربي.
وأضاف: "روسيا أحد أركان الرباعية الدولية، ومن خلال علاقات متينة معها فإنه من الممكن أن تحدث اختراقا في إنهاء شروط الرباعية المطلوبة من حماس، كما أن حماس تريد دعما سياسيا واقتصاديا وماليا وعسكريا من روسيا".
وبحسب الدجني، فإن حماس تستغل الفرصة لإيصال رسالة لحلفاء (إسرائيل) بأن قوة الحركة السياسية والعسكرية والأمنية في المنطقة تتصاعد، وأن عليهم إعادة النظر في استراتيجياتهم من عزل الحركة عن المشهد.
واعتبر الدجني زيارة حماس إلى روسيا نقطة تحول لها من خلال ممارسة دبلوماسية نشطة لن تقف عند أبواب موسكو فحسب، بل قد تذهب بعيدا نحو أمريكا اللاتينية وآسيا الوسطى في إطار استراتيجية تجلب الدعم للقضية الفلسطينية ومقاومتها الباسلة وتشكل لوبيات ضغط على أوروبا والولايات المتحدة، وفق قوله.
بدوره، أكد وليد المدلل، الكاتب والمحلل السياسي، أن تلك التحركات الدولية تعكس إدراك ثقل حركة حماس فيما يتعلق بمعادلات الشرق الأوسط، وأنه لا يمكن الحديث عن ترتيبات في المنطقة أو هدوء أو تمديد وقف إطلاق النار دون رضا وموافقة الحركة.
وشدد على أن "حماس كحركة مقاومة هي بحاجة لكل جهد لدعم مقاومتها ضد الاحتلال، وعليها ألا تدخر جهدا لمد العلاقات مع أي دولة في العالم، بما يحقق المصلحة للقضية الفلسطينية".
وفي السياق، قال المدلل: "السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، تعتبر أن أي حراك اقليمي ودولي لحماس مسيئا لها، ويسحب البساط من تحت أقدامها وينزع منها ما يسمى بشرعيتها، حتى وصل بها الأمر إلى لدرجة طلب تطمينات من (إسرائيل) بأنها لن تتصل بحماس في أي شأن كان".
وأضاف لـ"الرسالة": "كلما تحركت حركة حماس سياسيا مع أي من الأطراف، هرولت السلطة إلى هذه الأطراف لإقناعها بأن حماس (إرهابية) وتختطف قطاع غزة وغيرها من عشرات التهم التي تعودنا عليها"، مؤكدا أن ما تقوم به يندرج تحت سياق المناكفة السياسية والمنافسة غير الشريفة".