ماجد أحمد أبو مراد
تمر علينا الذكرى الأولى لرحيل شقيقنا الشيخ الشهيد حازم أبو مراد الذي ارتقى إلى العلا شهيداً في الثالث عشر من أغسطس من العام الماضي أثناء معركة العصف المأكول بعد حياة حافلة بالعمل والطاعة لرب العالمين، حياة ملؤها الدعوة إلى الله، وانشغال دائم بتعظيم الله تبارك وتعالى في قلوب الناس.
رحلت أيها الشيخ الجليل بعد أن شهدت لك ميادين عدة بالإخلاص والجهاد والعلم والعمل الدؤوب، رحلت ونحن في أمس الحاجة لوجدوك في حياتنا كأخ وشقيق وصديق وشيخ ومعلم، برحيلك بات عديد الشباب والمحبين أيتام بعدك كما أخبرني أحدهم إذ أقسم أنه يشعر باليتم بعدك أكثر مما شعر به إثر رحيل والده المرحوم.
شيخنا بعد رحيلك بات منزلنا قبلة يقصده الزوار والأصدقاء والأحباب فضلا عن الدعاة والقضاة والعلماء ورجال السياسة والمسؤولين الذين لم تنقطع زياراتهم لنا اعترافا منهم بدورك الريادي والقيادي بشتى المجالات، بل إن شخصيات مجتمعية واعتبارية بارزة تأتينا تباعاً لتعبر عن حبها لك وشوقها للاستماع لكلماتك المعبرة ودروسك المؤثرة.
شقيقنا كم كنا نرجو ربنا جل في علاه أن يمد في عمرك لتكتحل عيوننا أكثر برؤياك، كم كنت ارجو ربي أن يطيل بعمرك لتربي جيلا من الشباب الغيور على دينه وأرضه ووطنه، لتربيهم كما كنت تفعل على حب الدين والوطن، وليتسلحوا بالطاعات ويستعينوا بالله على تحرير أقصانا المغتصب، كم كنت ارجو ربي أن أراك وقد صعدت منبر مسرى رسول الله خطيبا بالمؤمنين بعد تحريره من دنس يهود.
لقد رحلت يا شيخ حازم مبكرا ولكنه قضاء الله وقدره ونحن به راضون، وهنا استذكر بعض كلماتك التي رددتها انت في اذني يوم انتقلت والدتنا الي رحمة الله حيث قلت لي مصبرا ومواسيا لا شك أن اختيار الله لنا خير من اختيارنا لأنفسنا، وأن جوار الله خير من جوار العبد، فلله الشكر والمنة على ما أعطى، وله الحمد على ما أخذ، وما زالت خطبتك العصماء التي ألقيتها يوم استشهاد ابن اخينا المقاتل أحمد أبو مراد تقرع الأذان وتشعل فينا حب الجهاد وقتال الأعداء.
لقد كنت سندا حقيقيا لنا كعائلة، وكنت رفيقا لي على وجه التحديد أسعد كثيرا بالجلوس معك ولا أمل من اللقاء بك، حبيبنا لو سألت عنا بعد رحيلك لقلنا لك أن حالنا يغني عن سؤالنا، فأن أخاك بات يشعر بالوحدة، ويعاني مرارة الفراق، وحالة بكاء يكاد لا ينقطع، نبكيك صباح مساء، وأبكيك ليلا ونهار، وأبكيك كلما رأيت أطفالك وهم يلهون ويلعبون في بيتنا المظلم جراء رحيلك، غير أننا راضون بقضاء الله وقدره ولا نقول إلا ما يرضي ربنا.
حبيبنا لقد افتقدتك المساجد والمنابر والمواقع الدعوية وميادين العمل الجهادي، فكم خطيب جمعة أشاد بك وبعلمك من على المنبر، وكم من الصالحين والمعتكفين في العشر الأواخر من رمضان استذكروك وترحموا عليك، وكم شخص زارنا في بيتنا وفاء لك، وما أروع وفاء المجاهدين الذين تربوا على خطبك وعلمك وساروا على نهجك، ما أروع طلتهم البهية وهم يأتون بيتنا تباعاً زائرين ومهنئين، أيها الشيخ عشت تحمل هموم أمتك ودينك ووطنك فكنت بسيطا في أسلوب حياتك غير أنك عظيم في تضحياتك وفكرك ونهجك.
كم تسابق الشباب والأصدقاء على رثاءك وتبادل صورك عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكم رثتك المساجد والمنابر، وكم تسابقت وسائل الاعلام لتناول سيرتك العطرة، نم قرير العين يا أخي واهنأ بجوار ربك، فعزاءنا أنك في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر، عزاءنا أنك نلت ما تمنيت وظفرت بالشهادة التي كنت تنشدها، ولطالما قلت لي حينما كنت أحثك على أخذ قسط من الراحة فكنت تقول لي أن راحت المؤمن عند ربه، وأنت الأن بجوار ربك فلتنعم بالراحة الأبدية.
نم يا شيخنا فإن أبناءك في العقيدة يسيرون على درب الجهاد الذي تحب، وإن ابنتك من صلبك
"مروة" قد حصلت على ترتيب الأولى في دراستها لهذا العام الذي ارتحلت فيه، وقد رتبت لها حفلا عائليا متواضعا، انتهي الحفل وأدخلنا الفرحة على قلبها، غير أن حزني عليك لم ينتهي أيها الشيخ الشهيد.
رحماك ربي بعبدك الصالح الذي مضى اليك بكفنه المسربل بالدم، وترك خلفه أفئدة تتقطع وتتفطر جراء الرحيل، حبيب القلب، رفيق الدرب، شقيق الروح، نحن بحاجة ماسة إليك، فإما نرتحل حيث أنت شهداء بإذن الله، أو ننتظر رؤياك بالمنام قريبا، لعلنا نجد بذلك سلوى وبشرى. رحمك الله وإلى لقاء قريب في الجنان.