تواصل الآلة الإعلاميّة الخاصّة بحماس، بثّ كلّ ما ينشره الإعلام الإسرائيليّ وترجمته، حول قسوة المعارك العسكريّة التي خاضها الجيش الإسرائيليّ مع مقاتلي حماس، وإظهار حجم الخسائر الإسرائيليّة بفعل هذه المعارك، وتسويقها لدى الفلسطينيّين على أنّها الصورة الناصعة لحرب غزّة.
حي الشجاعية هو المفتاح الشرقيّ لمدينة غزّة، وأحد أكبر أحيائها، ويقطنه 100 ألف فلسطينيّ، ويكتسب أهمّيته العسكريّة من تل المنطار المرتفعة 85 متراً عن سطح البحر، وقد تحوّل خلال الانتفاضات الفلسطينيّة إلى ساحة مواجهات مع الإسرائيليّين، وكان هدفاً لغارات جويّة إسرائيليّة في حروب 2008 و2012 و2014 على غزّة.
وفي الذكرى السنويّة لحرب غزة، تتزايد الروايات الإسرائيليّة عن يوميّات القتال في حيّ الشجاعيّة شرق غزّة، وآخرها الكتاب الذي أصدره قائد لواء غولاني الإسرائيليّ غسان عليان حول الضربات التي تلقّاها جنوده بعد دخول الحيّ خلال الحرب، فيما نشرت الصحافة الإسرائيلية لقاءات مع ضبّاط إسرائيليّين تحدّثوا عن ضراوة معارك الشجاعيّة، وتحدّثت أنّ معركة الشجاعيّة غيّرت وجه حرب غزّة، وتحوّلت رمزاً في نظر مقاتلي حماس، وعرضت شهادات قاسية لجنود شاركوا فيها، وأوردت تحقيقات حول تدمير حماس ناقلة الجند في الشجاعيّة.
هذه عيّنات فقط من عشرات الشهادات التي نشرها الإعلام الإسرائيليّ عن معارك الشجاعيّة، تشير إلى أنّ اشتباكات عنيفة خاضها الجنود الإسرائيليّون مع مقاتلي كتائب القسّام، الجناح العسكريّ لحماس، وأسفرت عن خسائر باهظة في صفوف الجانبين، لكنّ تأثيرها كان كبيراً في عدم التقدّم الإسرائيليّ أكثر داخل عمق غزّة.
كان واضحاً أنّ كتائب القسّام قاتلت في الشجاعيّة وفق خطط دفاعيّة وهجوميّة معدّة سابقاً، لأنّها توقّعت الدخول البريّ الإسرائيليّ، ولم تتفاجأ به، ولذلك سارت المعارك وفق توقّعات المقاتلين الفلسطينيّين وخططهم، حيث كانت التعليمات واضحة للمقاتلين في الشجاعيّة، بعدم إطلاق النار إلّا مع القوّات الراجلة الترجمة صحيحة، ورغم الزخم الناريّ الكبير الذي استخدمه الجيش الإسرائيليّ، لكن المقاتلين ثبتوا، والتزموا بالتعليمات، وبعد القصف المدفعيّ العنيف، دخلت الآليّات الإسرائيليّة على مشارف الشجاعيّة، واعتقدت أنّ المقاتلين فرّوا من المعركة، وأنّ الحيّ فارغ، فاطمأنّوا ونزلوا على شكل قوّات راجلة، فجاء استهداف الكتائب لهم مثل البطّ في مرمى النيران.
وقد سجّلت الشجاعيّة أشرس المعارك بين مقاتلي حماس والإسرائيليّين، حيث ألقى خلالها الطيران الإسرائيليّ كثافة ناريّة غير مسبوقة تسبّبت في وقوع مئات الضحايا الفلسطينيين، ردّاً على الخسائر الإسرائيليّة بين الجنود، وتناقلت وسائل الإعلام الفلسطينية والإسرائيلية اعترافات إسرائيليّة بأنّ معركة الشجاعيّة تعدّ الأشدّ والأعنف من بين التي يواجهها الجيش الإسرائيليّ، وبأنّه سيكون لها بالغ الأثر على معنويّات الجيش في الفترة المقبلة، بسبب ما أبداه مقاتلو حماس من شراسة في القتال، والتفافهم على القوّات الإسرائيليّة أكثر من مرّة، على الرغم من كثافة القوّة الناريّة للجيش الإسرائيليّ، التي لم تردعهم، بل زادتهم شراسة.
ودفعت ضراوة معارك الشجاعيّة مع مقاتلي حماس قائد كتيبة المدفعيّة في سلاح المدرّعات الإسرائيليّة لاعتبارها تفوق معركة بنت جبيل الشهيرة خلال حرب لبنان الثانية في تمّوز/يوليو 2006، بـ8 أضعاف، وشبّه معارك الشجاعيّة بحرب أكتوبر 1973، فيما نشر الموقع الرسميّ لكتائب القسّام مقطعاً مرئياً مسجّلاً لآثار بعض الآليات العسكرية الإسرائيليّة التي توغّلت على حدود الشجاعيّة وأجزائها، وتمّ تدميرها على يدّ مقاتليها.
حماس تعقد محاضرات دوريّة لكوادرها، حيث تقدّم إليهم إفادات المقاتلين الذين شاركوا في معارك الشجاعيّة، ثمّ تنقل هذه التجارب إلى الفلسطينيّين في الشارع، في محاولة من حماس لتأكيد إنجازاتها في حرب غزّة.
وبسبب زيادة استخدام كتائب القسّام للأنواع المختلفة من القذائف والصواريخ في معارك الشجاعيّة، قرّر الجيش الإسرائيلي التزوّد بـ200 مدرّعة "نمر"، وهي من أكثر المدرّعات قوّة ومتانة، ويأتي شراؤها كجزء من استخلاص الدروس من معارك الشجاعيّة، خشية سقوط مزيد من الجنود الإسرائيليّين في المعارك المستقبليّة مع حماس في غزّة.
أخيراً... بعد مرور أكثر من عام على انتهاء حرب غزّة، ما زالت معارك الشجاعيّة حاضرة في أذهان مقاتلي حماس، باعتبارها مرحلة فاصلة في تاريخ المواجهات مع الجيش الإسرائيليّ، حيث تتوافر لديهم قناعات متزايدة بأنّ أيّ حرب مقبلة سيتمّ فيها تعميم نموذج الشجاعيّة في كامل مناطق القطاع، وتقع فيها الخسائر الإسرائيليّة، وهو ما تعتبره حماس رادعاً كافياً لعدم الاجتياح البريّ لغزّة.