القدس- الرسالة نت
لم تشفع له تجاعيد حفرتها مئة عام من التواجد على أرضه وتحت سقف منزله، ولم تشفع له "عكازته" ولا انحناءة ظهره ولا أنفاسه المتعبة، بل لم تشفع لزوجته دموعها الصامتة على وجنتين عفا عليهما الزمن، ليكون المصير إلى الخيمة بعد أن ظنوا أنّ صور الخيام واللجوء ولّت دون رجعة.
والنكبة في ذكراها عادت تخيم على حياة المسنّ الحاج علي صلاح وزوجته شيحة اللذيْن شربا كأس العمر الطويل ومن ثم الذل المرير، حتى إذا كانا يعيشان بأمان في منزلهما في بلدة بيت صفافا جنوب القدس المحتلة اقتلعتهما أنياب الغدر منه مدعية الأحقية في ملكيته.. وأي حق هذا لمغتصبين جُلبوا من أسقاع الأرض ليربضوا فوق صدور من تجذروا فيها منذ ولادتهم؟
طردٌ مع سبق الإصرار
في عصر يوم الإثنين الماضي وبينما كان الحاج علي يتلو آيات من كتاب الله على شرفة منزله فوجئ بهدير آليات تطوّق البيت وعشرات الجنود يخرجون منها مسلحين، ولم يخل المشهد من سبعة مغتصبين مكللين بالخوف تارة وبالغدر تارة أخرى يشيرون إلى المنزل ويحادثون عناصر جيش الاحتلال.
ولم يكد الحاج الطاعن في السن يرتب الصور في عقله لمعرفة ماذا يدور حتى أمسكت به مجموعة من الجنود دون اكتراث بكبر سنه وألقت به خارج الشرفة، ثم عادت إلى المنزل تبحث عن زوجته لترمي بها هي الأخرى خارجاً وتُلحق الأثاث المتواضع بهما رمياً لمسافة بعيدة.
ويقول الحاج بكلمات ثقيلة على لسانه وقلبه لـ"الرسالة نت" :" لم ندر ما الذي يحدث! فجأة طردونا من منزلنا، وجاء المغتصبون وجلسوا مكاننا واستولوا على البيت بأكمله دون سابق إنذار".
وهي الأمور تتحول من حياة ساكنة هادئة إلى حق يُسلب في وضح النهار وتعب يُفنى تحت عين الشمس دون من يحمي ولا من يدفع شر المغتصبين وحراسهم الجنود، حتى بات مصير الزوجين خيمةً لا تغني ولا تسمن ولا تكاد تحميهما لسعات البرد أو حمم الصيف.
محاكم عنصرية
كل هذا القهر الذي سكن قلبَيْ الزوجين صلاح كان منبعه محكمة الظلم العليا الصهيونية، فهي التي أقرت قبل عدة أيام ملكية المغتصبين للمنزل والأرض التي يقام عليها بمساحة 110 مترا مربعاً وإخلاء حظائر وغرف إضافية، وما هو إلا قرار ظالم يضاف إلى مسلسل القرارات التي تهدف إلى ترحيل المقدسيين، وفوق كل ذلك أمرت المحكمة بتغريم الزوجين إن لم يغادرا منزلهما خلال عشرة أيام.
ويقول نجل الحاج علي لـ"الرسالة نت" :" تعود حكايتنا مع المغتصبين إلى عام 1993 حين ادعوا أنهم اشتروا قطعة الأرض هذه، ومنذ ذلك اليوم لم نر يوماً هنيئاً فقاموا بالاعتداء علينا بالضرب أحيانا وإطلاق الرصاص تجاهنا أحياناً أخرى، وصادروا المواشي من مزرعتنا وحاولوا اقتحام المنزل وحرقوا ممتلكاتنا وطالبوا المحكمة بفرض غرامات باهظة علينا والتي بلغت حتى الآن 100 ألف شيكل!".
ولأنه احتلال عموده الفقري التزوير والخداع فلم تفلح محاولات الحاج علي إثبات ملكيته للمنزل منذ عام 1966 بأوراقه القديمة المطوية بعناية في إحدى صناديقه.. ولم تفلح كذلك استنجاداته أمام من سمى نفسه قاضيا للمحكمة ولم يعطف قلبه لحظة واحدة على المسن الذي يتوالى قلبه بالخفقات حزنا على منزله.
ويضيف الحاج:" كنت أذهب إلى قاعة المحكمة مراراً وأؤكد لهم ملكيتي للمنزل ولم يرحموا ضعفي ولا وهني، وختم حديثه للرسالة نت والالم يعتصر قلبه قائلا :" حسبنا الله ونعم الوكيل".