سارعت قيادات حركة فتح والسلطة برام الله وبعض فصائل منظمة التحرير، لمجاراة التسريبات الإعلامية حول قرب توقيع اتفاق تهدئة في قطاع غزة، وذلك رغم نفى حركة حماس والكيان (الإسرائيلي) التوصل لأي اتفاق بهذا الشأن.
ويطغى على هذه "الفزاعة" الحاصلة من قيادات-فتح والسلطة والمنظمة-ترديدهم للأسطوانة المشروخة ووسم أي "نقاشات" في الإطار بأنها مؤامرة "لفصل غزة عن الضفة"، علماً أن من سعى ويسعى لهذا الفصل هو رئيس السلطة محمود عباس الذي يشارك بشكل مباشر في حصار غزة ويواصل التعاون الأمني مع الاحتلال في الضفة.
ورغم كل ذلك، فقد قطعت حركة حماس الطريق على كل "المزاودين" حين أكدت على لسان القيادي فيها حسن يوسف، أنها ليست هي يجزئ الوطن كما فعل البعض إلى (أ ، ب ، ج)، مشدداً على أن فلسطين بالنسبة لحركة حماس هي وحدة تاريخية لا تقبل القسمة.
وشدد القيادي في حماس على أن الأفكار التي وصلت الحركة، وُضعت كل التنظيمات الفلسطينية في صورتها، وأن أي اتفاق قد يعقد تحرص حماس على أن يكون بالتوافق الوطني، مؤكداً على أن الحركة لا تؤمن بالتفرد.
استعلاء وديكتاتورية
ويرى الكاتب والمحلل السياسي يوسف رزقة في الإطار، أن الهجوم العنيف والشرس بألفاظ غير مسئولة من قبل قيادة فتح والسلطة على حركة حماس واتهامها بقضايا ليس لها علاقة بالتهدئة لا من قريب ولا من بعيد كفصل الضفة عن غزة ومنع قيام دولة فلسطينية والتآمر مع الاحتلال وغير ذلك من الاتهامات المذكورة، يرى أنها " تعبر عن حالة الاستعلاء والديكتاتورية التي تتصف بها قيادة فتح والسلطة".
وذكر رزقة لـ"الرسالة" أن حملة-قيادتي فتح والسلطة ضد حماس- تعبر عن امتعاضهم من بداية نجاحات الحركة في العلاقات الخارجية سواء تطوير علاقاتها مع المملكة السعودية أو تعميقها مع قطر وتركيا، مبيناً أن عباس يريد بذلك أن يقطع الطريق على حماس لكي لا تعمل في الساحات الخارجية التي تفرد بها على مدى عشرين عاماً.
وأردف رزقة أن "عباس يحاول أن يُفشل أي جهد خارجي في هذا المجال بعد أن انكشفت جميع الأوراق بأنه جزء من الحصار على غزة ومحاولة تهميشها وتركيعها والقبول بالشروط (الإسرائيلية) والتفريط بثوابت القضية الفلسطينية"، مشيراً إلى أن عباس هو من يمارس الفصل السياسي بين الضفة وغزة عقاباً للشعب على اختياره حركة حماس.
وقال رزقة إن "قضية فصل غزة عن الضفة ممجوجة وتدلل على غباء المتحدثين فيها، لأن الذي يقوم بالفصل هو الذي حاصر وهمش غزة واستغل أموالها وضرائبها ووظفها في المصالح الخارجية لبعض المتنفذين".
وأضاف " من يفصل غزة عن الضفة هو الذي وقف متفرجاً على الحروب التي خاضتها غزة ضد الاحتلال ولم يكن له دور فعال في وقف هذه الحروب أو حتى متابعة المفاوضات التي تلت عملية وقف إطلاق النار في الحرب الأخيرة من خلال الوفد الموحد الذي كان يرأسه عزام الأحمد".
وتابع رزقة "إن الذي لم يزر القطاع منذ اتفاق الشاطئ وتشكيل حكومة الوحدة هو الذي ساعد على الفصل، حيث تواطأت الأخيرة في هذا الفصل، ولم تقدم خدماتها المطلوبة للشعب في غزة ورفضت الشراكة الحقيقية مع حركة حماس وفق ما تم الاتفاق عليه"، على حد تعبيره.
إسقاط حكم حماس
ولم يختلف الكاتب والمحلل السياسي فايز أبو شمالة عمن سبقه، في التقدير بأن الأصل في الحصار هي السلطة برام الله وأن الهدف منه هو "اسقاط حكم حماس والإثبات بأن الالتفاف حول خيار المقاومة مصيره الدمار والهلاك"، مشيراً إلى أن استراتيجية المفاوضات التي يتحرك بها عباس تتناغم مع قناعاته بالإبقاء على حصار غزة لأن رفعه معناه نجاح المقاومة في فرض إرادتها وفشل استراتيجية المفاوضات الذي يتبناها عباس.
ويؤكد أبو شمالة لـ"الرسالة" أن نجاح حماس وصمود الشعب في وجه الحصار هو فشل لنظرية عباس، ولذلك لا غرابة في أن يكون جهد عباس منصب لإخضاع الناس وإجبارهم للخروج في الشوارع ضد حماس.
وحول ما يدور من أحاديث متعلقة بالتهدئة، فقد اعتبرها أبو شمالة حتى هذه اللحظة "مجرد أحاديث شفهية"، مستنداً في ذلك إلى معلومات استقاها من مصدر قيادي في إحدى فصائل المقاومة تفيد "أن حماس لم تتسلم أي ورقة مكتوبة وأن الحديث يدور عن مشافهة ومجهودات وأفكار".
ومن وجهة نظر أبو شمالة، فإن حماس عندما تقول أن أي اتفاق يمكن التوصل إليه لا يكون إلا بمشاورة واتفاق الفصائل فإنها تقصد بذلك أن المفاوضات التي يمكن أن تجري هي استكمال لمفاوضات القاهرة فيما يخص وقف إطلاق النار بعد العدوان الأخير، مشيراً إلى أن هذا الدور كان يجب أن تقوم به منظمة التحرير والسلطة ولكن عجزهم عن استكمال اشتراطات وقف إطلاق النار هو الذي دعا حماس إلى السير في هذا الطريق.
وتساءل أبو شمالة " أين هي السلطة والفصائل التي تتهم حماس بأنها تسعى لتحقيق التهدئة. أما كان يجب أن يتابعوا اتفاق القاهرة الذي نص على إعادة الإعمار ثم النقاش حول المطار والميناء وفك الحصار؟".
واتهم أبو شمالة السلطة وجميع الفصائل التي شاركت في حوار القاهرة وأيدت وقف إطلاق النار والتهدئة بالتقصير عن مواصلة الضغوط والاتصالات مع الوسيط المصري لإنجاز ما تم الاتفاق عليه، مشيراً إلى أن مصر -هي الأخرى- مقصرة لأنها غير معنية بمواصلة حركة حماس في قطاع غزة.
التجربة أكبر برهان
من ناحيته، فقد شكك المحلل السياسي أسعد أبو شرخ، في أي جهد أو مبادرة يشارك فيها مبعوث الرباعية السابق لعملية السلام "توني بلير"، مشيراً إلى أن الأخير ليس مؤتمن على أي شئ لصالح الشعب الفلسطيني وأن ما يسير فيه "مؤامرة".
وحذر أبو شرخ في حديثه لـ"الرسالة" من الوقوع في نفس الخطأ الذي حدث قبيل توقيع اتفاق "أوسلو"، مبيناً أن التجربة أكبر برهان حينما "ضللتنا منظمة التحرير و روجت بأن الفلسطينيين مشتتين في صحراء السودان واليمن من أجل الوصول إلى الحل عبر أوسلو كمخرج وحيد من هذا الوضع"، وفق أفادته.
ويؤكد أبو شرخ أن "لدى (إسرائيل) قرار يمنع منعا باتاً الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وخاصة المتعلقة بقضية اللاجئين أو السيادة أو الدولة"، لافتاً إلى أن أقصى ما يمكن أن يتخذوه مجرد "تسهيلات" لتحسين صورتهم أمام العالم ليس أكثر.
وقال "أي حل لا يعترف بحقنا في إنهاء الاحتلال مرفوض، والحل ليس في فتح معبر أو ممر مائي كما حصل في الممر الآمن"، مضيفاً " الحل في أن نتمسك بحقوقنا مهما كانت المعاناة دون التفريط، فأي حل يحافظ على المقاومة ويرفع الحصار دون شروط مسبقة أظن أنه ليس هناك أي فلسطيني يرفضه"، على حد تعبيره.
وختاماً، ليس هناك أدنى شك بأن الفصل مخطط (إسرائيل) منذ مدة طويلة، غير أن هذا لا يعني بأن المقاومة الفلسطينية في غزة بهذه "السذاجة" التي تجعلها لا تدرك مثل هكذا المخطط، ويبقى أن المقاومة في عنقها مسئولية التخفيف من معاناة شعبها الذي صمد ووقف إلى جانبها في العدوان والحصار ولكن كل ذلك ليس على حساب التفريط بالثوابت والمقدسات والحقوق الوطنية.