قائد الطوفان قائد الطوفان

في المواصي.. "المجاري" تهدد مياه الزراعة

البلدية: مشروع الأحواض كان الخيار الأصعب وأفضل الأسوأ

التشريعي: طالبنا بمراقبة الأحواض على مدار الساعة

الزراعة: المشروع لم يحظ بموافقتنا وأنشئ استثنائيا

البيئة: تجميعات مياه الصرف خطر على الخزان الجوفي

غزة/لميس الهمص

وقف المزارع محمد المجايدة في العقد السادس من عمره  بجانب مزرعته متحسرا على ما آلت إليه أشجاره بعد اصفرار أوراقها، وتلف محاصيلها بسبب تسرب مياه الصرف الصحي للأشجار في المنطقة.

ويقول : منطقتنا كانت الأجمل في القطاع لكن بسبب مياه المجاري مرضت الأشجار وباتت الثمار التي تغذي شتى أسواق القطاع  غير صحية .

من يتجول في منطقة المواصي يشاهد بأم عينه اصفرار الأشجار واحتراق العديد من أشجار الزيتون علاوة على تلوث معظم مياه الآبار الجوفية في المنطقة المحيطة ببرك الصرف الصحي .

وفيما عادت تلك الأحواض بالفائدة على سكان مدينة خانيونس إلا أنها كانت على المواصي بمثابة مصيبة.

معاناة مستمرة

وتعود أسباب الأزمة إلى توقف مشاريع البنى التحتية جراء رفض سلطات الاحتلال إدخال المواد الخام اللازمة لاستكمال هذه المشاريع ومعالجة وتصريف مياه الصرف الصحي في أحواض لإعادة معالجتها.

ويخشى المواطنون في المواصي وقوع كارثة إنسانية وبيئية خطيرة بفعل تسرب المياه العادمة من أحواض تجميع المياه غرب المنطقة والتي أدت لتضرر المناطق الزراعية والسكنية المجاورة لها بفعل استمرار ضخ مياه الصرف الصحي غير المعالجة صوب أحواض التجميع المؤقتة.

وما زالت أوجه المعاناة بالمنطقة المتضررة تتعدد والحكايات تختلف. الشاب إبراهيم المجايدة في العقد الثاني من عمره، تحدث عن وفاة قريبه اثر جلطة أصابته أثناء تجواله داخل أرضه الزراعية المنكوبة بفعل مياه الصرف الصحي فقد حرقت جميع مزروعاتها بسبب المياه.

ويلفت إبراهيم بأن قريبه تكبد قبل أن يصاب بالجلطة خسائر فادحة جراء تلف محاصيله الزراعية مرتين.

أما أم محمد الأسطل فتحدثت عن مصير أرضها التي تجاوزت الخمس دونمات والمزروعة  بالجوافة.

وفي جولة اصطحبت "الرسالة" فيها إلى البئر الذي تملكه أسرتها ويغذي أكثر من خمسين أسرة وباتت المياه العادمة تتسرب إليه فلم يعد صالحا للاستعمال ، أشارت أم محمد إلى أن خطوط المياه التي قامت البلدية بمدها لهم لم تشمل جميع المنازل كما أنها متقطعة في أيام مجيئها .

ويخشى المواطنون من تشققات وانهيارات تصيب أحواض تجميع المياه بعد أي قصف "إسرائيلي" تتعرض له المنطقة .

""الرسالة بدورها حاولت دخول منطقة الأحواض لمعاينتها إلى أنها جوبهت برفض حارس الاحواض .

التدخل الفوري

وفي المنطقة المقابلة لأحواض الصرف الصحي المنخفضة عن سطح الأرض تتفاقم معاناة السكان يوماً بعد يوماً، فيقول أبو محمد المجايدة أن الأمراض ازدادت بين الأطفال وكبار السن  مثل " الإسهال والإعياء والإغماء وبعض الأمراض الأخرى"، وبين أن المياه ملوثة، علاوة على الروائح الكريهة والحشرات التي تنتج من أحواض الصرف الصحي.

وأمام ناقوس الخطر المحدق بمنطقة المواصي، أوضح أبو محمد المجايدة بأنه لم يترك وسكان المنطقة باب جهة مسئولة إلا وطرقوه، علهم يلقون آذاناً صاغية تستجيب لنداءاتهم المتكررة، إلى أن وصل بهم الحد لدفع مبالغ مالية من جيوبهم الخاصة لفحص المياه بمختبرات الجامعة الإسلامية والأزهر بغزة ووزارة الصحة، والتي أثبتت أن نسبة التلوث فيها عالية جداً ولا تصلح للاستخدام الآدمي حتى أن الأخيرة أصدرت تحذيراً بمنع شربها.

وتحدث المجايدة عن أن البدائل التي وضعتها البلدية كانت بتبطين البرك بالنايلون بعد فشل التربة إلا انه تمزق ولم يعد ذا فائدة ترجى.

وأضاف: منطقتنا تضررت شرقا بسرقة المياه من قبل الاحتلال وها هي برك الصرف الصحي تجني على المنطقة من الجهة الغربية .

وناشد البلدية بإيقاف شبك خطوط الصرف الصحي على البركة كون ذلك سيؤدي لزيادة المنسوب خصوصا مع دخول فصل الصيف ووقف الضخ من البركة تجاه البحر مما يهدد حياه أكثر من خمسة آلاف مواطن يقطنون المنطقة.

وكانت بلدية خانيونس قد أنشأت هذه الأحواض قبل قرابة الثلاثة أعوام خصيصاً لمياه الأمطار، ولكن توصيل السكان لشبكات الصرف الصحي التابعة لمنازلهم على البرك أثر بالسلب على المياه الجوفية في المنطقة.

وأكد السكان على أن الحل الوحيد والجذري لهذه المشكلة يكمن في نقل هذه الأحواض لأماكن بعيدة عن السكان ، مطالبين كافة الجهات المعنية وعلى رأسها رئيس الوزراء إسماعيل هنية ومؤسسات حقوق الإنسان بالتدخل الفوري والعاجل لإنهاء هذه المعاناة ووضع حد لها.

الانزلاق نحو الكارثة

من جانبه أصدر مركز الميزان لحقوق الإنسان تقريراً حول التلوث البيئي ومشكلة الصرف الصحي في خانيونس، تحت عنون ’’الانزلاق نحو الكارثة’ في شهر ديسمبر من عام 2009م.

وتناول التقرير مشكلة الصرف الصحي في مدينة خانيونس وتداعياتها السلبية على البيئة العامة والمياه الجوفية في المدينة.

وابرز دور الاحتلال الإسرائيلي في تجاهل حاجات المدينة الماسة لإقامة نظام لتصريف المياه العادمة، وهو الأمر الذي دفع السكان إلى استخدام الحفر الامتصاصية أسوة بمدن قطاع غزة كافة في حينه.

وتناول التقرير المحاولات الحثيثة التي قامت بها بلدية خانيونس وجهات الاختصاص الفلسطينية الأخرى لإقامة نظام لتصريف مياه الصرف الصحي (المياه العادمة) ومعالجتها وإعادة استخدامه بطريقة تسهم في التخفيف من مشكلة نقص المياه الصالحة للشرب أو للاستخدام المنزلي التي تعاني منها المدينة، والعراقيل التي تعرض لها المشروع الذي مولته الحكومة اليابانية.

كما يعرض خطورة التلوث الناجم عن أحواض تجميع مياه الصرف الصحي، غرب محافظة خانيونس، واثر العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، والحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ عام 2006، الذي شكل عاملاً رئيساً في خلق الكثير من المشكلات التي تمس الحقوق الإنسانية كافة في قطاع غزة.

ولفت إلى التهديدات الخطيرة بتلويث المياه الجوفية في المنطقة وحرمان السكان من استخدام المياه الجوفية للشرب وهي مصدرهم الرئيس نتيجة  حوضي تجميع مياه جديدين في منطقة المواصي غربي مدينة خانيونس.

وأوصى التقرير الحكومة الفلسطينية وجهات الاختصاص المحلية بتخصيص موازنة مالية عاجلة لحل هذه القضية بالتعاون مع جهات الاختصاص لإتمام مشروع الصرف الصحي الأساسي للمدينة.

وطالب المركز بالعمل على إعادة تأهيل شبكة تصريف مياه الأمطار والعمل على الاستفادة من مياه الأمطار المهدورة وإعادة تغذية الخزان الجوفي بها، مناديا بإعادة النظر في تنفيذ مشروع الصرف الصحي الطارئ، بالنظر إلى آثار هذا المشروع الضارة بالبيئة وحقوق الإنسان، واتخاذ التدابير التي من شأنها درء المخاطر البيئية المحتملة.

وبحسب التقرير فقد ثبت أن التلوث الذي أصاب المياه الجوفية في منطقة المواصي كان نتيجة تسرب 50.000م3 من المياه العادمة.

الزراعة تعارض

من جهته  شدد المهندس حسن أبو عيطة الوكيل المساعد بوزارة الزراعة على عدم موافقة وزارته بالأساس على المشروع ، موضحا أن البلدية قامت بإنشائه بصورة استثنائية لإنقاذ السكان من الفيضانات .

وأوضح أن الخط الأساس هو فوق منطقة صوفا لكن الإغلاقات أدت لوضع البركة في المكان الحالي ، لافتا إلى أن جهات دولية تسعى لتنفيذ المشروع شرق خانيونس لإزالة الضرر.

ويرى أبو عيطة أن القضية تحتاج لحل جذري والوزارة لم توافق على موقع البرك كحل نهائي وجذري ، منوها إلى أن نقل البرك للمنطقة الشرقية من خانيونس هو الحل الجذري كون تلك البرك تحدث أضرارا على الخزان الجوفي .

وبين "للرسالة "أن توصيات رفعتها وزارة الزراعة لنقل البرك كونها ترك بقاءها في مكانها أو حتى ضخها في مياه البحر .

أما رئيس سلطة البيئة الدكتور يوسف إبراهيم فرأى أن قضية التجمعات لمياه الصرف الصحي هي ذات خطورة على البيئة على سطح الأرض وعلى صعيد الخزان الجوفي، مبينا أن سلطته تنظر بخطورة لتلك القضية لذلك شكلت لجنة لمعالجة الموضوع ومعرفة كيفية الاستفادة من مياهها .

ولفت إلى أن لجنة مكافحة البعوض بدأت عملها مع دخول فصل الصيف ، مشيرا إلى أن الخزان المائي يتأثر بمجموعة من العوامل تتمثل في استنزاف كميات كبيرة منه نتيجة للكثافة السكانية ، بالإضافة إلى أن منسوب الأمطار لا تتعدى نصف ما يصرف من مياه جوفية فلا يمكن تعويضها .

ويؤكد "للرسالة نت" على ضرورة توفير مصادر مائية بديلة للتخفيف من السحب على المياه الجوفية كون البنك الدولي أشار في أخر تقاريره بضرورة التوقف عن سحب المياه من الخزان الجوفي لمدة عشرين عاما والبحث عن مصادر بديلة .

ولفت إلى أن الحصار يعرقل أية بدائل، مطالبا البنك الدولي بتنفيذ توصياته على ارض الواقع ووضع الخطط لمواجهة الخطر الداهم.

الرعاية الأولية غير صالحة

الرعاية الأولوية في وزارة الصحة وفي تقارير صادرة عنها بتاريخ نوفمبر من عام 2008م أشارت إلى أن النتائج بعد التفتيش الصحي الميداني وفحوصات المياه المخبرية للعديد من الآبار الزراعية القريبة من الأحواض أوضحت أن هناك تلوثا واضحا وكبيرا في معظم الآبار المحيطة بالبرك وخاصة من الجهة الغربية حيث يوجد العديد من الأسر التي تعيش في تلك المنطقة تعتمد بالدرجة الأولى على مياه الآبار الزراعية الخاصة لأغراض الشرب .

وطالبت الوزارة السكان بتجنب شرب المياه من آبارهم الزراعية لعدم صلاحيتها للشرب ، مع إيجاد حلول عاجلة للمشكلة قبل وصول التلوث إلى معظم منطقة المواصي من خلال العمل على ضح المياه العادمة إلى منطقة صوفا على الحدود الشرقية .

وناشدت الوزارة المؤسسات المانحة الإسراع في تمويل وانجاز المرحلة النهائية لمشرع المجاري مع معالجة سليمة وآمنه لها .

في حين ذكر النائب في المجلس التشريعي يحيى العبادسة " للرسالة" أنهم زاروا منطقة المواصي مؤخرا وتحدثوا مع الأهالي بشكل تفصيلي حول الأزمة والحلول المؤقتة لها لتعثر الحلول الدائمة ، موضحا أن العمل جار مع الجميع لمعالجة الأزمة.

 وبحسب العبادسة فإن التشريعي طالب البلدية وسلطة مياه الساحل بمراقبة الأحواض على مدار الساعة لمتابعة أية مشاكل عرضية تحدث ومعالجتها .

ولفت إلى أنهم طالبوا بحل مشكلة البعوض ورفع منسوب التربة في الأرض لرفع المنطقة بالإضافة لتوسيع شبكات المياه الصالحة للشرب لتصل لغالبية المناطق وتنفيذ أي حلول مؤقتة للموز انه بين المفاسد والمصالح .

حل مؤقت

رئيس بلدية خان يونس المهندس محمد الفرا قلل من مخاوف سكان المواصي وذكر أنهم بصدد توفير مادة لمكافحة البعوض في المنطقة ، موضحا أن خطر الانهيار غير وارد بسبب غياب أية مؤشرات عليه والسيطرة على كميات الضخ.

وتحدث أن الأحواض ليست الحل الدائم بل هي مؤقتة لحين إنهاء محطة المعالجة شرق غزة  والتي تعيق دولة الاحتلال انجازها.

ولفت إلى أن أبار المياه في المنطقة هي صالحة للزراعة، مبينا أن تسريبا كان في الأحواض ولكنه توقف وتحاول البلدية إعادة تأهيل التربة للزراعة.

وأشار إلى أن البلدية لجأت للحل بالرغم من آثاره السيئة كونه أفضل السوء فهو من أفضل الخيارات المتاحة لها لحل الأزمة.

وذكر أن ضخ المياه للأحواض غرب المدينة كان الخيار الأصعب في ظل عرقلة الحصار عمل البلدية ومنع الاحتلال الإسرائيلي دخول المواد الخام .

وأضاف الفرا أنهم أجبروا على حفر أحواض الصرف الصحي بمساعدة الصليب الأحمر في الوقت الذي كانت فيه شوارع خان يونس تغرق في مستنقع من مياه الصرف الصحي.

يشار إلى أن المخطط التنظيمي الرئيس لمياه المجاري، فإنه من المفترض أن تكون شرق المدينة، على الحدود بين خان يونس والأراضي الإسرائيلية، لكن بسبب منع إسرائيل لاستكمال المشروع، اضطرت البلدية لأن تقيم مجمعًا كبيرًا لتلك المياه في منطقة المواصي".

ولا يزال ناقوس الخطر يدق في المحمية الطبيعية الاخصب في القطاع وتغذي غالبية أسواقه فلمن ستكون الغلبة في النهاية لمياه المجاري أو المياه الزراعة .

البث المباشر