كالأجل المسمّى يأتي بغتة، يختطف أحد أعمدة البيت، ربما ربُّ الأسرة، أو أحد أبنائها، ليغيبه في وراء قضبان حديدية وأسوار شاهقة، دون تهمة واضحة، وإلى أجل غير مسمّى.
تلك الصورة التي يتجلى بها الاعتقال الإداري للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، مستهدفا من تشتبه (إسرائيل) بخطورتهم على أمنها، فتزج بالمئات في سجونها، تحت بند الاعتقال الإداري، ضاربة عرض الحائط بكل المحظورات والضوابط التي تقيّد هذا النمط من الاعتقال وتضبطه، بحسب حقوقيين.
ويعود تاريخ الاعتقال الإداري لقانون الطوارئ البريطاني، الذي شُرّع عام 1945م، في أجواء الحرب العالمية، بحسب رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس، مشيرا إلى أن الاعتقال الإداري مسموح به بالقانون الدولي، لكن ضمن شروط وضوابط محددة، إلا أن الاحتلال (الإسرائيلي) لا يلتزم بأي منها مطلقا.
وذكر فارس في حديث لـ"الرسالة نت"، أن القانون الدولي لا يعتبر المعتقل الإداري أنه معاقب، لأنه يشترط أن يتم توجيه تهم محددة وواضحة للمتهم، ويتم اعتقاله احترازياً لحين انتهاء الفترة التي يمكن أن يشكل فيها الخطورة.
وأضاف: "المعتقل الإداري يستلم راتبا شهريا من الدولة حسب القانون الدولي، ويسمح له بالتواصل شبه الطبيعي مع أسرته، وذلك بعد أن يستند اعتقاله لمعلومات أكيدة، كما أنه ووفقا للقانون البريطاني فللأسير حقوق يتمتع بها، فهو لا يعيش مع الأسرى ويعيش في مراكز احتجاز عادية، إلا أن الأسرى الإداريين في السجون (الإسرائيلية) يعيشون الظروف التي يعيشها الأسرى العاديين المحكومين على قضايا وتهم واضحة، وتطبق عليهم السياسات ذاتها".
وأوضح رئيس نادي الأسير أن السلطات (الإسرائيلية) تحتجز في سجونها 370 معتقلا إداريا، موزعين بشكل رئيسي على سجني النقب وعوفر.
وحول الأسباب التي تقف خلف الاعتقال الإداري، يقول فارس: "السبب دائما فضفاض، وهو أن الأسير يشكل خطرا على أمن (إسرائيل)، دون الإفصاح عن أي تهم، لذلك تكمن مشكلة الإداري أنه اعتقال بلا تهمة، حيث يكتفي القاضي العسكري بتعليمات من جهاز الشاباك.
وتقف المخابرات (الإسرائيلية) بشكل مباشر خلف قرار الاعتقال الإداري، فهي الجهة المسئولة عن جمع المعلومات، وترسلها بدورها للمسئول العسكري للمنطقة الذي يصدر أمرا بالاعتقال الإداري باسم الشخص، وتكون الصيغة كالتالي: "وفقا للصلاحيات المخولة لي كقائد المنطقة العسكري، آمر باعتقال الشخص المذكور، إداريا لستة شهور كونه يشكل خطرا على أمن (إسرائيل)"، بحسب فارس.
وخلال جلسة المحاكمة الأولى للأسير بعد اعتقاله، تدعي المحكمة وجود ملف سري يدينه، حيث يضع المدعي العسكري المادة السرية أمام القاضي، الذي ينظر بدوره لها ويدعي أنه بعد التحقق من أن هذا الشخص يشكل خطورة، تم قرار بالمصادقة على الأمر العسكري الصادر عن القائد العسكري للمنطقة بالاعتقال الإداري.
وأشار رئيس نادي الأسير الفلسطيني إلى أن السلطات (الإسرائيلية) ترفض قطعيا إطلاع الأسير أو محاميه على ماهية الملف السري، خوفا من أن تكشف مصادر معلوماتهم الباطلة من الأساس، متسائلا: "ماذا يمكن أن تكون المعلومات التي تم جمعها عن نائب في التشريعي، أو محاضر جامعي، إلا أنه يعبر عن رأيه ورفضه للاحتلال".
ويقول: "الإداري، اعتقال ظالم وبائد، ويهدف لتكميم الأفواه ومحاصرة الحريات ولا يتماشى سوى مع الدول الفاشية والديكتاتورية".
استنزاف للنخب
بدوره أشار فؤاد الخفش، مدير مركز أحرار لدراسات الأسرى، إلى أن الاعتقال الإداري "أضحى سيفا مسلطا على رقاب النخب الفلسطينية.
وقال في حديث خاص لـ"الرسالة نت" :"الاعتقال الإداري أصبح أكبر أداة استنزاف لطاقات وقدرات الفلسطينيين، بما يعني أن الشخص عندما يتم اعتقاله مرة تلو أخرى إداريا دون تهم واضحة، فإن ذلك يستنزف طاقاته ويصبح اعتقاله هما كبيرا له ولعائلته، وتصبح حركاته كلها محسوبة ومدروسة.
وتابع: "الاحتلال يحاول أن يكبل الفلسطيني، ويقلل من حركته، ويتعبه بشكل كبير، فلا يوجد أصعب من تكرار الاعتقال الإداري للشخص".
ولفت إلى أن أكثر فئة باتت مستهدفة في الفترة الأخيرة بالاعتقال الإداري، هي الأسرى المحررين، والنواب وممثلي الشرعية الفلسطينية، والأكاديميين الجامعيين، والناشطين السياسيين، أي أن النخب الوطنية والسياسية والشخصيات الاعتبارية هي المستهدفة بشكل أكبر.
وأكد الخفش على ما أسلف به رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس، في عدم التزام (إسرائيل) بأي من ضوابط الاعتقال الإداري، قائلا: "ضمن القوانين والمواثيق الدولية هناك شيء اسمه اعتقال إداري، لكن يكون ضمن ضوابط محددة، كأن تكون هناك تهمة واضحة ومباشرة وأن تكون المدة محددة غير قابلة للتمديد أو التجديد، لكن (إسرائيل) تمارسه دون أي ضوابط، بل وفق مزاج قائد المنطقة".
وأوضح أن وزير الدفاع (الإسرائيلي) هو من كان يوقّع على قرار الاعتقال الإداري، أما الآن فأصبح الأمر بيد أي قائد منطقة عسكري.
ولم يقتصر استهداف الاحتلال للفلسطينيين بالضفة الغربية، بل يطال هذا النوع من الاعتقال الفلسطينيين من حملة الهوية (الإسرائيلية) من سكان القدس والأراضي المحتلة عام 48.
ويقول الخفش: "(إسرائيل) تتعامل بمكيالين بما يتعلق بالاعتقال الإداري، فالفلسطينيون داخل القدس و(إسرائيل)، من يحملون الهوية (الإسرائيلية)، يحولون للاعتقال الإداري لمرة واحدة ودون تجديد، ولكن مع فلسطينيي الضفة يتم التعامل بطريقة مختلفة، حيث من الممكن أن يستمر اعتقال الشخص لخمس سنوات، والإفراج عنه وبعد فترة وجيزة يعاد اعتقاله مرة أخرى، وهذا يعد تمييزا عنصريا يمارسه الاحتلال ضد فلسطينيي الضفة".
وقد تتراوح فترة الاعتقال الإداري من ثلاثة شهور لخمس سنوات، وقد يعاد اعتقال الشخص إداريا عدة مرات، بحسب الخفش.