قائد الطوفان قائد الطوفان

المنشطات الجنسية تستنزف ربع مليون دولار شهريا من جيوب المواطنين

صورة لبعض المنشطات المصادرة
صورة لبعض المنشطات المصادرة

الرسالة نت - محمد أبو قمر

يتردد الشاب الثلاثيني (أ. س) أسبوعيا على احدى صيدليات شمال غزة، طالبا حبوبا منشطة جنسيا (فياغرا)، اعتاد على تعاطيها منذ زواجه قبل ثماني سنوات، ولم يعد يستغني عنها.

وتعود بداية تعاطيه المنشطات بعد زفافه عام 2007 عندما منحه اصدقاؤه قرص (اترامادول) لتجربته، واعتاد على تناولها لاحقا دون استشارة طبيب، وزاد بجانبها أقراصا من الفياغرا.

ثماني سنوات مرت على هذه الحال جرب خلالها الشاب ما يزيد عن 15 نوعا من المواد المنشطة، وبات يتناول 3 أقراص منها أسبوعيا.

هذه واحدة من عشرات الحالات التي ادمنت تعاطي المنشطات الجنسية، واستمعت اليها "الرسالة".

ورغم أن الحديث في "المحظور" لم يكن سهلا، الا أن معد التحقيق اكتشف معطيات صادمة حول حجم تعاطي المنشطات والاتجار بها بين فئة الشباب تحديدا في غزة، وآثارها النفسية والصحية والاقتصادية عليهم.

وبعدما استمعت "الرسالة" لشهادات صيادلة وأطباء على مدار أربعة أشهر جابت خلالها 50 صيدلية، أي ما نسبته 10% من المنتشرة في محافظات غزة، والتقت أطباء عقم وقلب ونفسيين، وطرقت أبواب مكافحة المخدرات ووزارة الصحة والمباحث الطبية، للتدقيق في حجم الحالات وصحة المعلومات، والبحث عن الدوافع والأسباب.

ونقّب "معد التحقيق" عن مهربي المنشطات الجنسية، وتجار الشنطة -الذين يبيعونها سرا- حتى نجح بعد مشقة بالغة في الوصول الى عدد منهم.

بداية مرة

رحلة البحث والتحري بدأت من ورقة حصلت عليها "الرسالة" وهي عبارة عن نشرة المريض المرفقة مع أحد الادوية المنشطة وتحذر من استخدامها دون استشارة طبية.

المنشطات الجنسية تستخدم أساسا لتوسعة الاوردة الدموية التي تؤدي بدورها الى احتقان في أجهزة الجسم بما فيها العضو الذكري، وفق الدكتور محمد العكلوك استشاري امراض القلب، والمدير الطبي لمستشفى الطب التخصصي في غزة.

وبعد أن أبدى العكلوك اهتمامه بالموضوع كونه يمس شريحة كبيرة من المجتمع، حذر من ان استخدام المنشطات دون استشارة طبيب قد يؤدي الى مشاكل صحية، وقال "إذا كان الشخص يعاني من عيوب خلقية لشرايين الدماغ، فمن الممكن أن يصيبه نزيف خاصة إذا كان كبيرا في السن، وفي حال كان لديه التواء في القضيب فأحيانا يؤدي الى كسره، علاوة على تأثيراته الخطيرة لمن يعاني من مشاكل في وظائف الكبد".

وتتفاعل المنشطات الجنسية مع بعض الادوية خاصة التي تستخدم لعلاج الشريان التاجي، وبحسب استشاري القلب ففي حال تناولها المريض مجتمعة فإنه سيصاب بهبوط حاد في ضغط الدم.

ويشدد العكلوك على أن أشخاصا كثر خاصة من كبار السن أدخلوا وحدة العناية المكثفة؛ نتيجة التركيبة (الغريبة) التي يدمج بها البعض بين الترامادول والفياغرا ".

وفي مفارقة غريبة، فإن العكلوك كشف أنه اضطر الى تحويل أطباء الى المستشفيات على إثر تعاطيهم المنشطات الجنسية.

ويرجع استشاري أمراض القلب استخدام الشباب لها الى عدم نضوجهم النفسي والعقلي، مشددا على أهمية القاعدة الطبية (الدواء غير المفيد يحظر استخدامه).

مواقف غريبة

وبينما يسود اعتقاد في المجتمع الفلسطيني بأن الاقبال على المنشطات الجنسية مقتصر على كبار السن أو المرضى، الا أن ذلك الاعتقاد اهتز حينما حمل معد التحقيق فرضية زيادة اقبال الشباب دون الخامسة والثلاثين عاما على تناول المنشطات الجنسية لأسباب تتعدى المشاكل الصحية، وبدأ بالبحث عن المعلومات والدلائل للتثبت من صحتها.

بدأت رحلة البحث من الصيدليات التي تعد مصدرا أساسيا للبيع، واختارت "الرسالة خمسين منها كعينة عشوائية تقدر بعشرة بالمائة من مجموعها البالغ (502) صيدلية مرخصة في قطاع غزة -حسب الموقع الالكتروني لنقابة صيادلة فلسطين على الإنترنت- بواقع عشر صيدليات في كل محافظة.

ولم تكن مهمة جمع المعلومات سهلة على ضوء تحفظ أغلب الصيادلة على ذكر أسماء صيدلياتهم والإفصاح عن أسرار زبائنهم الدائمين.

في احدى صيدليات شمال غزة يقول صاحبها إن صرف المنشطات الجنسية مباح تحت اشراف طبي، لكن من يتردد بدون وصفة طبية، يكون من الاصحاء ويتناولها لغرض زيادة المتعة الجنسية.

ونوه الى أن أشخاصا يصيبهم ضرر نتيجة تناولها، يفضلون الصمت خشية انكشاف أمرهم.

ما نسبته 90% من الصيدليات تبيع المنشطات الجنسية المهربة

وبحسب الصيدلي فان عدد أصناف المنشطات المتداولة في الصيدليات والمرخصة بشكل رسمي تقارب عشرة أصناف، بينما يتم تداول ما يزيد عن أربعين صنفا مهربة من مصر في الصيدليات وبين الافراد والمجموعات.

وتتراوح أسعار المنشطات الجنسية ما بين شيقلين وأربعة شواقل للقرص الواحد، كما يفيد الصيدلي الذي شدد على أن الاقبال عليها زاد خلال العقد الأخير.

زيادة العرض والطلب

خلال جولة معد التحقيق، وجمعه للبيانات اتضح أن معدل البيع اليومي يختلف ما بين صيدلية وأخرى. ففي حين سجل أدنى بيع يومي خمسة أقراص في احدى الصيدليات، الا أنه في بعضها قفز حاجز المائة -يوضح الجدول المرفق مع التحقيق معدل المبيعات اليومي في جميع الصيدليات التي شملتها العينة.

ويسجل معدل بيع المنشطات الجنسية اليومي في صيدلية ابن الهيثم بمدينة غزة ما بين 30-40 قرصا يوميا، فيما يرتفع المؤشر ليصل الى قرابة المائة أيام الاجازات.

ويرجع الدكتور ذو الفقار سويرجو صاحب ومدير الصيدلية زيادة الاقبال على المنشطات في غزة الى ان أعدادا كبيرة يتعاطون تلك المنشطات خوفا من الفشل في العملية الجنسية، نتيجة عدم ثقتهم بأنفسهم، وهؤلاء غالبا ما يعانون من عامل نفسي".

ويعزو ارتفاع بيع المنشطات في السنوات الأخيرة الى انخفاض سعرها، إذا ما قورنت بالماضي عندما كان سعر القرص الواحد قرابة السبعين شيقلا.

ورغم أن جميع الصيدليات التي شملتها عينة التحقيق نفت تعاملها مع المنشطات المهربة غير المرخصة ، الا أن سويرجو فجر معلومة جديدة ، حين كشف أن ما نسبته 90% من الصيدليات تبيع المنشطات الجنسية المهربة .

البحث عن أنواع جديدة

"الرسالة" رصدت عددا من المواقف الخارجة عن المألوف تتعلق بزيادة الإقبال في السنوات الخمس الماضية على تناول المنشطات بشكل لم يشهده الدكتور إيهاب ترزي صاحب صيدلية "العربي" خلال العشرين عاما التي قضاها في مهنته، وانخفضت أعمار من يطلبها الى عشرين عاما ".

بينما يلخص أحد الصيادلة حالة الاقبال على المنشطات بحادثة غريبة عندما انتظره شاب امام الصيدلية منذ الساعة الثامنة صباحا لشرائها، ولم يخف الصيدلي أن ما نسبته 5% من المترددين على الصيدلية يتجرأون ويطلبون الفياغرا من الصيدلانية (سيدة).

وشدد الصيدلي على أن ما نسبته 30% من مبيعات الصيدليات لها علاقة بالجنس سواء منشطات او مكملات غذائية.

وتفاجأ صيادلة آخرون بتعاطي شباب غير متزوجين للفياغرا، وأرجع بعضهم الى ان المتزوجين حديثا يلجئون لها بسبب ممارستهم العادة السرية بشكل كبير قبل الزواج؛ الامر الذي أثر سلبيا على قوة الانتصاب لديهم.

وربط عدد كبير من الصيادلة بين زيادة الاقبال على تناول المنشطات الجنسية من قبل الشباب بادمانهم المسبق على "الترامادول"، الذي أثر سلبيا على أعصابهم، وبالتالي لم يعودوا قادرين على المعاشرة الجنسية دون تعاطي الفياغرا.

وتوحدت ملاحظة الصيادلة على أن من يتردد عليهم يواظبون على طلب المنشطات بشكل دوري ومنتظم، بما لا يقل عن مرتين أسبوعيا.

ورأى أحدهم أن معظم من يطلبون المنشطات مستوياتهم التعليمية متدنية، ولا يعون مخاطرها، محملا زملاءه الصيادلة المسئولية في حال نظروا للأمر نظرة ربحية فقط.

وبعملية حسابية سريعة أجرتها "الرسالة" على حالة لشاب متعطل عن العمل يعتمد في دخله على مستحقات الشئون الاجتماعية التي يتقاضها كل ثلاثة اشهر، بما يعادل 350 شيقل شهريا (92$)، ويتناول أسبوعيا ثلاث أقراص من الفياغرا بإجمالي تكلفة شهرية 36 شيقل (9.5$)، تبين أنه ينفق شهريا أكثر من 10% من المساعدات التي يتلقاها - دون احتساب قيمة العقاقير المخدرة (الترامادول)-.

خطوط حمراء

الخطر في مسألة الاقبال على المنشطات الجنسية تعدى الخطوط الحمراء في شرائها بصورة أوضحتها صيدلانية وحيدة استمعت الرسالة لافادتها.

وتقول الصيدلانية " أحيانا نتفاجأ برجال يطلبوا منشطات، وأغلب من يتردد من الرجال من فئة السائقين، وفي بعض الأوقات يرسل الأزواج أطفالهم بورقة مكتوب عليها "فياغرا"، لكنها صدمت بتصرفات بعض الأطفال الذين يطلبونها لآبائهم دون خجل ويعرفون أنواع المنشطات".

ويلاحظ أن اختلاف المناطق ما بين (مدينة، وقرية، ومخيم) يحكم حجم الاقبال على المنشطات، حيث يزيد الاقبال عليها في المناطق المزدحمة بالسكان والذين يعيشون حياة متواضعة.

وتتحفظ الرسالة على ذكر المناطق الأكثر استخداما للمنشطات، حيث بدا لديها ذلك واضحا من نسبة المبيعات التي توصلت اليها في صيدليات قطاع غزة.

ففي احدى الصيدليات بمدينة رفح قال مالكها أنه يبيع ستة عشر حبة يوميا، في حين يتراوح ما تبيع صيدلية لا تبعد عن الأولى سوى خمسين مترا ، ما بين 30-50 قرصا يوميا.

وكشف التحقيق أن ما نسبته 80% ممن يتعاطون المنشطات من فئة الشباب الذين تقل أعمارهم عن الأربعين عاما، فيما يطلبها ما نسبته 20% فقط من المسنين، على خلاف ما كان متعارفا عليه في السابق.

وبحسب استطلاع عينة الصيدليات فان النساء اللواتي يطلبن منشطات لأزواجهن شكلت طلباتهن ما مجموعه 5% من كمية مبيعات المنشطات، واعترف أحد الصيادلة أن أرباحه الرئيسية خلال الفترة الأخيرة حققها من بيع تلك العقاقير.

وأظهرت ملاحظة معد التحقيق أن احدى الصيدليات بالمنطقة الوسطى تحتوي ارففها على عدد قليل من الادوية ويديرها صيدلي تجاوز الستين عاما، الا أن بيعها اليومي من المنشطات الجنسية يقدر بخمسة عشر قرصا.

ولإثبات أن بعض الشباب يتناولون المنشطات لدوافع نفسية فقط، يقول صاحب صيدلية في دير البلح "في ذات مرة طلب مني رجل فياغرا فمنحته قرص أكامول، وبعدها طلب مني اعتمادها بسبب قوة مفعولها".

ولاحظ معد التحقيق أن الصيدليات التي يديرها صيادلة شباب يزداد الاقبال عليهم، ويبيعون كميات اكبر بسبب تقارب السن مع الزبائن، وكذلك يختلف الامر من صيدلية لأخرى حسب الشهرة التي تحظى بها الصيدلية في المنطقة، وكيفية تسويق أصحابها للمنشطات.

ومن بين خمسين صيدلية تمت زيارتها، أكد أصحاب صيدليتين فقط أنهما لا يبيعان المنشطات الجنسية بشكل مطلق.

استنزاف الجيوب

وتكشف المعطيات السابقة تفاوت معدلات البيع اليومي للمنشطات الجنسية، وبمعادلة بسيطة توصل معد التحقيق إلى أن متوسط ما تصرفه الخمسمائة صيدلية المنتشرة في القطاع يقدر بعشرة آلاف قرص يومي على اعتبار أن متوسط بيع كل صيدلية هو 20 حبة يوميا، بسعر متوسط ثلاثة شواقل للقرص للواحد، أي مجموع كلي عشرة آلاف شيقل يوميا.

وبتعميم هذا المتوسط شهريا، يتعاطى رجال غزة ما قيمته 300 ألف حبة منشطة شهريا، بما يقدر بتسعمائة ألف شيقل أي ما يقارب ربع مليون دولار (250 ألف دولار)

ويغيب عن المعدل الادوية المنشطة المهربة التي تباع فيما يعرف بين المواطنين بالسوق السوداء، ويقوم من خلالها البعض بتهريب المنشطات عبر الانفاق الحدودية مع قطاع غزة، وبيعها اما لصيدليات رغم ان القانون يمنع ذلك، او لأشخاص يسوقونها بين اصدقائهم ومعارفهم.

ويصدّق تلك الرواية عدد من الصيادلة لاسيما في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، الذين يعرض عليهم عدد من تجار الشنطة مواد منشطة بأنواع وأشكال مختلفة.

ويقول صيدلي فضل عدم ذكر اسمه "يوميا يعرض علينا اشخاص يتخذون من الترويج الشخصي مصدرا لدخلهم عينات من عقاقير منشطة جنسيا".

وبعد بحث وتحر لأكثر من شهر تمكن معد التحقيق من الالتقاء مع الشاب العشريني (و) الذي اخذ على عاتقه أكثر من مرة نقل المواد المهربة من داخل النفق الى خارج حدود هيئة مراقبة الانفاق الحكومية.

رفض الشاب الكشف عن اسمه، وافصح عما لديه بعد "دردشة ودية" وقال "تمكنت ذات مرة من تخليص أكياس تحتوي على مليوني حبة دواء منها منشطات وادوية مخدرة، ونقلتها فقط من عين النفق الى ما بعد التفتيش الأمني مقابل 1700$.

وبحسبه افادته فان الادوية تم تهريبها لصالح صاحب إحدى الصيدليات في غزة، الذي يقوم بدوره بتسويقها لبقية الصيدليات، فيما يروج عدد محدود من الأشخاص من خارج المهنة تلك الحبوب بسبب اتقانهم لآلية التسويق.

السوق السوداء

الوقت الذي قضاه معد التحقيق في البحث والتحري عمن يعرفون بأنهم تجار شنطة وينشطون في السوق السوداء سرا، استغرق ما يزيد عن شهرين، وتمكن في النهاية من مقابلة أحدهم بعدما رفض مرارا.

انطلقت "الرسالة" ظهر يوم أربعاء الى مخيم المغازي وسط غزة، كان يتواصل كاتب التحقيق خلال الطريق مع بائع شنطة، حتى استقرت السيارة أمام عربة لبيع المرطبات.

انتظر السائق بضع دقائق قبل أن يصل الشاب، والذي فضل اجراء المقابلة داخل السيارة لإبعاد الشبهات عنه.

تحدث تاجر الشنطة الذي رفض ذكر اسمه او أي إشارة تدل عليه، ما يزيد عن خمس عشرة دقيقة كان متحفظا في بدايتها عن الخوض في بعض التفاصيل، لكنه قال إنه يحصل على المنشطات من (المهرب) الذي يسوقها لبعض الصيدليات.

ويحافظ الشاب الذي يبدو في نهاية العقد الثالث من عمره على علاقة مع عدد قليل من الشباب الذين يمنحهم تلك المنشطات بشكل سري، لكنه من خلالهم يستطيع تلبية أي طلبية مهما بلغت كميتها.

يتخذ الشاب من بسطة صغيرة مصدرا للرزق، لكنه الى جانبها يبيع تلك المنشطات، ويقول "بإمكاني توفير جميع الأنواع التي يطلبها الزبائن حتى لو لم تكن متوفرة، وبناء على طلب الزبائن أجلب بعض المنشطات الجنسية الخاصة بالنساء.

10% فقط ممن لديهم ضعف جنسي في المجتمع يتوجهون للأطباء، بينما 90% منهم يعانون بصمت

يوفر البائع المتخفي أكثر من نوع من المنشطات، يحرص ان يكون سعرها زهيدا نوعا ما حيث يتزايد عليها الطلب نظرا للحالة الاقتصادية الصعبة.

يكتفي تاجر الشنطة ببيع ما يزيد عن خمسين حبة أسبوعيا ويفضل أن يبقي على معدل بيع متوسط تجنبا لاكتشاف أمره من قبل الشرطة".

ويتلقى (تاجر الشنطة) المنشطات من خلال ثلاثة مهربين، بناء على توفر الأنواع، ورخص ثمنها.

ويصعب حصر عدد المنشطات الجنسية داخل السوق السوداء، بعدما وصلت معلومات لمعد التحقيق ان عددا كبيرا منها يتداول في صالونات الحلاقة وبين السائقين والأصدقاء، يفضلون تداولها بهذه الطريقة السرية، لأنهم لا يرغبون في اكتشاف أمرهم كما لو حصلوا عليها من الصيدليات.

وافترضت "الرسالة" أن يشمل التداول الشهري للسوق السوداء نصف الكمية التي تباع في الصيدليات، على الرغم من ان جميع المؤشرات تدلل على أن انتشارها بين الأصدقاء أكثر من ذلك.

وبناء على الفرضية السابقة فان مجموع ما يتم تداوله شهريا يزيد عن 150 ألف حبة شهريا بتكلفة تقديرية "450 ألف شيقل" أي ما يعادل 120 ألف دولار".

وبإضافة هذا المبلغ الى متوسط تكلفة ما يباع في الصيدليات المقدر بـــــ250 ألف دولار، يصبح مجموع ما يتم انفاقه على المنشطات الجنسية 370 ألف دولار.

مكافحة المنشطات

بعد لقاء الشاب المهرب والتأكد من نشاط السوق السوداء اتخذ التحقيق منحى جديدا للبحث في آليات مكافحة العقاقير المهربة، والتقت الرسالة النقيب حقوقي حسن السويركي المستشار القانوني لإدارة مكافحة المخدرات، الذي أكد أن تعاطي الأدوية المتداولة مخالف للقانون، محذرا من التعامل معها.

وقال "تبين للمكافحة ان بعض الحبوب المتداولة على انها منشطات تحتوي على مواد مخدرة، وظهر على عدد ممن تناولوها اعراض الإدمان".

وأضاف "لدينا مندوبون في الأسواق العامة والمحلات ونراقب الصيدليات المخالفة، وفي حال اتضح أي تداول للمواد المخدرة او المنشطة مجهولة المصدر، يتعرض المتهم للعقوبة ويتم تحويله للنيابة لاتخاذ الإجراءات بحقه".

واعترف السويركي ان صيادلة قليلين "ممن لا يحترمون ضوابط المهنة"، كانوا دليلا للمتعاطين في توفير البدائل عن الترامادول.

وكشف المستشار القانوني عن أن المواد المنشطة التي يتم ضبطها تشكل ما نسبته 5% من مجمل الحبوب المخدرة المهربة، وتحفظ على ذكر ارقام لعدد المواد المخدرة والمنشطة التي يتم ضبطها، لكنه شدد على انحسارها مقارنة بالفترات السابقة.

لاستكمال حلقات التحقيق قابلت "الرسالة" الدكتور رأفت أبو رضوان رئيس قسم التفتيش الصيدلي بوزارة الصحة، الذي أقر بعدم وجود إشكالية في بيع المنشطات المرخصة، لكن بعض الصيدليات لديها تجاوزات وتبيع الادوية غير المرخصة مجهولة المصدر والتركيب، ويمنع بيعها حسب اللوائح والنظم المعمول بها.

ويرجع أبو رضوان أحد أسباب انتشار المنشطات الى الإعلانات التي تعرضها بعض الفضائيات المصرية عنها، مشددا على أنه في حال ضبط أي منها تصادر وتقوم لجنة الاتلاف بإتلافها، وتتخذ فيما بعد الإجراءات القانونية بحق الصيادلة المخالفين.

ونوه الى أن اعداد الادوية المهربة بدأت تنخفض بسبب ظروف اغلاق الانفاق، ولا تتجاوز نسبة الصيدليات التي تبيع المنشطات الجنسية غير المرخصة 20% من مجموع الصيدليات العاملة في قطاع غزة".

حلقات متواصلة

قبل ثلاثة أشهر ضبطت المباحث الطبية تاجر شنطة يبلغ من العمر ستين عاما في أحد الأسواق، ويتعاون مع زبائن، خاصة في بيعهم المنشطات الجنسية الى جانب عمله المعلن في بيع أدوات التجميل.

تلك المهمة وغيرها جزء من عمليات المباحث الطبية التي بدورها تتحفظ على الادوية المصادرة، وتستدعي صاحب الصيدلية.

ويقول المقدم محمد المعصوابي مدير دائرة المباحث الطبية في حديث للرسالة "هناك عدد لا بأس به من الصيدليات التي تتداول المنشطات المهربة.

ومن خلال الصيادلة المخالفين تتمكن المباحث الطبية من الوصول لرأس الهرم الذي يهرب المنشطات الجنسية، بينما ينقطع التحقيق أحيانا عند شخص معين.

ويعزو المعصوابي الاقبال على تجار الشنطة بسبب زهد ثمن المنشطات التي يروجونها، لكن المباحث الطبية تحاول جاهدة من خلال جولاتها بالأسواق ومصادرها الخاصة ضبط المشبوهين ومصادرة ما لديهم.

ويشير مدير المباحث الطبية الى أنه تم التحفظ منذ بداية العام على كميات كبيرة من المنشطات المهربة، التي يتم تداولها في السوق السوداء، لكنهم لم يضبطوا سوى ثلاث صيدليات مخالفة فقط.

تصنيع المنشطات

في إطار البحث والتدقيق عن المعلومات المتعلقة بالمنشطات الجنسية، تبين أن الشركة العربية الألمانية لصناعة الادوية في غزة بدأت مطلع العام الحالي بإنتاج صنفين من المنشطات الجنسية التي تستخدم في الأساس لعلاج ضغط الشريان الرئوي، وقابلت "الرسالة" مديرها العام حمزة طبازة، الذي أكد ان المنشطات المهربة تزيد خمسين ضعفا عن المرخصة.

وتمكنت الشركة من تسويق مائة ألف حبة من منتجها خلال الستة أشهر الأولى من العام الحالي.

ويرجح مدير الشركة أن من يتناولون المنشطات وتقل أعمارهم عن الخامسة والثلاثين عاما دون سبب مرضي، عادة يتعاطون ترامادول الذي بالأساس يؤدي لارتخاء العضلات وبالتالي يحتاج لمنشط.

ولا يستبعد طبازة ان تحتوي المنشطات مجهولة المصدر على مواد مسرطنة، حيث وافقه أحد الأطباء الذي فضل عدم ذكر اسمه، وقال إن الكثير من تلك المواد خالية من أي فعالية دوائية.

الملاحظات السابقة أثبتها رئيس قسم التفتيش الصيدلي بوزارة الصحة وأظهر عينات من "العلكة" وضع عليها لاصق إضافي يحتوي على صور جنسية لنساء وتروج كمنشط جنسي للسيدات.

ضعف جنسي

لم تقف المنشطات الجنسية عند استنزاف جيوب متعاطيها، لكنها تنعكس سلبا على الحالة الصحية لهم على اختلاف أعمارهم، سواء تعاطوها لمشاكل صحية أو بحثا عن متعة جنسية.

الدكتور أيمن السحباني اخصائي المسالك البولية والعقم والضعف الجنسي يعتقد أن الشباب يلجئون اليها نتيجة مشاكل جنسية، ويحاولون البحث من خلال المنشطات عن حلول دون اللجوء للأطباء.

وحذر من أن انعدام الانتصاب يخفي مشاكل خطيرة يمكن أن تكون مرتبطة بتصلب الشرايين او الدهون الثلاثية، وهي انذار مبكر للضعف الجنسي، كما أنه طالب جميع الحالات التي تعاني من سرعة قذف او أي من المشاكل الجنسية التوجه مباشرة للطبيب، قبل تعاطي منشطات بشكل عشوائي.

وأضاف أن الدراسات توصلت إلى أن 10 % فقط ممن لديهم ضعف جنسي في المجتمع يتوجهون للأطباء، بينما 90% منهم يعانون بصمت.

وحذر أخصائي العقم والمسالك البولية الذين يستخدمون المنشطات لمجرد المزاج فقط من ان الافراط في استخدامها يؤيد إلى رفض الجسم الاستجابة لها بعد فترة من الزمن حتى وان زادت الجرعات.

وشدد على أن عددا ممن يهتمون بكمال الاجسام يتناولون منشطات تحتوي على هرمونات ذكورة بنسب كبيرة تفوق هرمونات الذكورة الطبيعية التي يفرزها الجسم بخمسين ضعفا، الأمر الذي يؤدي بعد فترة من الزمن لضعف جنسي وأحيانا لعقم.

وأقر طبيب العقم بأن حالات الضعف الجنسي تزداد بشكل مطرد، لكنه لا يمتلك نسبا محددة لتلك الزيادة.

ضغط نفسي

البحث وراء الابعاد النفسية وتأثيراتها أوصل معد التحقيق الى الدكتور خالد دحلان استشاري الطب النفسي والعصبي بالهلال الأحمر بغزة، الذي يرى أن الواقع النفسي للمجتمع الفلسطيني غير طبيعي، لأنه يعاني من حالة القلق العام، بسبب الحروب التي مرت على غزة مما يؤثر على مستوى الرغبة في الممارسة الجنسية.

ويعتقد أن أكثر من 90% من رجال فلسطين يعانون من القذف المبكر، مشددا أن علاجه يحتاج الطب النفسي.

ولفت الى أن الثقافة المختلفة بين الأزواج واختلاف المستوى التعليمي، يؤثر على العلاقة الحميمية بينهما.

وحذر الشباب من تناول الترامادول والبحث عن حلول بديلة للمشاكل الجنسية التي من شأنها ان تقتل الرغبة في ممارسة الجنس، وتؤدي لتلف في الغدد، يمكن ان يصل لمرحلة الاغماء.

ما بين نهاية التحري وانتشار المنشطات الجنسية وسط شرائح عمرية واجتماعية مختلفة أرهقت الجيوب، وبين المعلومات الصادمة التي وصل اليها التحقيق، تضاف هذه المشكلة الى سلسلة الازمات التي تحتاج لجهود توقف النزيف الصحي والمالي لهؤلاء.



infographic qamar end

البث المباشر