وصف ناشطون ومعماريون وخبراء في التخطيط الحضري، جهود تنظيف وتحسين وجه العاصمة المصرية القاهرة، وتطهيرها من الباعة المتجولين وسائقي “التوك- توك”، بأنها تعبير عن محاولة لتأكيد الدولة سيادتها في الفضاء العام. فالتخلص من العمال غير المرخصين هو جزء من عملية التخلص من الناشطين والفنانين والمعماريين الذين يعارضون الدولة وسياستها.
ويقول جارد مالسين في تقرير له نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية، إن وضع وجه جديد للقاهرة في ظل حكومة عبد الفتاح السيسي لا يعني تحسن الحالة الاقتصادية المصرية. فالدولة وإن تخلصت من الباعة المتجولين، إلا أنها لم تقض على الظروف التي أدت إلى ظهور هذه الظاهرة في المقام الأول.
وينقل التقرير ما صرح به وزير المالية المصري بأن القطاع غير الرسمي يمثل 30% من اقتصاد مصر، ويوظف ما نسبته 40% من القوة العاملة في البلاد.
ويشير الكاتب في بداية تقريره إلى الحركة النشطة في حي العتبة، التي لم تصل إليها بعد قوات الأمن كي تلاحق الباعة المتجولين. وينقل عن بائع قمصان مصرية الصنع واسمه مصطفى حسين، قوله إن الأمن لم يصل بعد للعتبة، وإن تجارة الأرصفة تمثل غالبية الاقتصاد المصري، ويضيف: “لقد نظفوا شارع طلعت حرب ورمسيس، ولكن ليس هنا. لماذا؟ لأن معظم الاقتصاد قائم على هذه التجارة”.
وتتحدث الصحيفة كيف أخرجت الشرطة الباعة المتجولين من قلب القاهرة، خاصة في حي رمسيس، حيث تقع المحطة الرئيسة للقطار. مشيرة إلى أن ملاحقة الباعة المتجولين هي جزء من محاولة واسعة للسلطات المصرية للتخلص من حالة الفوضى التي نتجت عن ثورة عام 2011. فقد أدت الإطاحة بالرئيس حسني مبارك إلى انفجار في ثقافة الاحتجاج وانتشار تجارة الشوارع.
وبحسب التقرير، الذي ترجمته “عربي21″، فإن الشرطة لم تنتبه في الفترة ما بين 2011 و2013 إلى الباعة المتجولين، ولم تضايقهم بعد أن احتلوا جوانب الطرق. فمثل الشعارات الجدارية والاحتجاجات تداول الباعة كل شيء، من حلوى شعر البنات إلى الألبسة الجلدية غير الأصلية، وأصبحوا علامة مهمة في حياة القاهرة.
ويجد مالسين أن الوضع قد تغير عام 2013، عندما سيطر الجيش على السلطة، وأطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي في عام 2013. فقد حظرت الحكومة المدعومة من قائد الجيش عبد الفتاح السيسي الاحتجاجات والتظاهرات في الشوارع، وسجن عشرات الآلاف من الناشطين.
وتلفت الصحيفة إلى أنه في الوقت ذاته يرى المراقبون أن محاولة تنظيف القاهرة هي تلخيص لمحاولة الدولة تأكيد سلطتها في الفضاء العام.
وينقل التقرير عن كريم إبراهيم، الذي شارك في تأسيس منظمة “تكوين” للتخطيط الحضري، قوله إن “هذه (الجهود) تأتي جزءا من محاولة الدولة إعادة موضعها لما كان عليه قبل الثورة. ولاحظنا اهتماما بمركز القاهرة، وتحويله إلى نموذج عن المدن المتحضرة، وهي محاولة من الدولة لتنظيف ما تراه خطرا على صورتها”.
ويورد الكاتب أنه بالإضافة إلى طرد الباعة المتجولين من مناطق معينة في العاصمة، قامت الحكومة بتنظيف ودهان واجهات البنايات في الأماكن الرئيسة، بما فيها ميدان التحرير، الذي كان مركزا للنشاط أثناء الثورة. وزرعت الحكومة في الميدان الحشائش، ونصبت عمودا طوله 20 مترا، يرفرف فوقه العلم المصري.
وتذكر الصحيفة أن محافظة القاهرة قد أعلنت هذا الصيف عن خطط لمنع عربة “التوك توك” في ثماني مناطق. مستدركة بأن “التوك توك” أصبح علامة على الطبقة العاملة في مصر، إلا أن الحكومة تبرر استهدافها له؛ لأنه يسبب الفوضى، ويسهم في الاختناقات المرورية. وبحسب صحيفة “المصري اليوم” فقد تمت مصادرة 48 عربة “توك توك”.
ويعرض التقرير وجهة نظر المعماري ومؤسس “مختبر عمران القاهرة للتصميم والدراسات” (كلاستر) عمر نجاتي، الذي يرى أن جزءا من إعادة تشكيل مركز القاهرة “يبدو سياسيا”، ويقول: “من يعارض الحديث عن إشارات المرور، ومن يعارض القضاء على ازدحام الشوارع بالسيارات؟” ولكنه أضاف: “خلف هذا كله أجندة أخرى”. ويجد أن ما تقوم به السلطات هو “ثورة مجانية” لتحرير قلب المدينة، وأن الباعة المتجولين هم جانب واحد “وهناك طبقة أخرى، فهي المكان الذي يتجمع فيه الناشطون والفنانون والصحافيون والمشاغبين كلهم، الذين تنظر إليهم الدولة جزئيا على أنهم محرضون على الفوضى التي حدثت”.
ويرى مالسين أن الجهود التي تقوم بها الحكومة تظل تجميلية، فهي لم تهيئ الظروف لمنع الباعة المتجولين وأصحاب “التوك توك” من احتلال الشوارع. ويقول بائع القمصان في العتبة مصطفى حسين إن العمل في الشوارع هو الخيار الأخير المتوفر له، ففي اليوم العادي يحصل على 40 جنيها مصريا، أي ما معدله 3.30 جنيهات إنجليزية. ويفضل العمل في ورشة ميكانيك، لكن الوظائف نادرة.
وتبين الصحيفة أن حسين يبدو متشككا بطط الحكومة الكبيرة، خاصة التفريعة الجديدة لقناة السويس، التي يقول إنها ستنفع المحافظات القريبة منها، مثل الاسماعيلية والسويس، متسائلا: “ماذا عنا؟”.
وتختم “االغارديان” تقريرها بالإشارة إلى أن مالسين قابل بائع حقائب صينية الصنع اسمه محسن عادل (36 عاما)، الذي قال إنه يعمل بائعا متجولا منذ عام 1998 رغم شهادته الجامعية في الاقتصاد.