عادت الخلافات الداخلية الطاحنة بين تيارات حركة فتح في قطاع غزة إلى الواجهة، والتي اشتعلت تسابق الزمن لإنجاز الانتخابات الداخلية في المناطق والأقاليم الفتحاوية، للصعود والتمثيل في المؤتمر العام السابع للحركة.
وشهد المؤتمر الانتخابي لفتح وسط خانيونس السبت الماضي، اشتباكات عنيفة بين أنصار رئيس السلطة محمود عباس وأنصار القيادي المفصول محمد دحلان، أدت لإصابة أكثر من عشرة من كوادر الحركة.
يذكر أن هذا المؤتمر تحديداً سبق أن أجله عباس حتى إشعارٍ آخر، وذلك قبيل "سويعات" من الموعد الذي كان مقرراً عقده قبل نحو أسبوع، حيث وجهِت الاتهامات للرئيس بإقدامه على هذه الخطوة خشية من خسارة تياره أمام تيار دحلان.
يشار إلى أن انتخابات فتح في القطاع شهدت في مناطق عدة عراكاً حاداً بين أنصار عباس من جهة، وأنصار دحلان من جهةٍ أخرى، ووصل في بعض الأحيان إلى الاشتباك بالأيدي والسلاح الناري، مما أدى إلى توقف الانتخابات الداخلية التي كانت محتدمة في بعض المناطق والأقاليم الفتحاوية.
مبررات واتهامات واهية
وفي الإطار ذاته، حاول عبد الله أبو سمهدانة عضو الهيئة القيادية العليا لفتح في غزة، التقليل من حجم "المشكلات" في انتخابات إقليم وسط خان يونس، بادعاء أن ما حدث كان "عرقلة واحتجاجات على تشكيل المؤتمر وبعض مكوناته"، مؤكداً أن العملية الانتخابية لم تتعطل بفعل هذه الأعمال واستمرت إلى نهايتها.
وأرجع أبو سمهدانة في حديثه لـ"الرسالة" السبب في تطور الاحتجاجات ومحاولات عرقلة المؤتمر إلى "عدم وجود جهاز أمن فتحاوي بحكم أن حركته ليست في السلطة!"، مشيراً إلى أن مؤتمرات فتح تُعقد في أجواء مفتوحة، وبالتالي لا يمكن منع أي أحد أن يلقي حجراً أو يعيق ويعرقل الانتخابات، على حد قوله.
كما حاول أبو سمهدانة، إزاحة المسئولية عن حركته في ضبط مؤتمرها الداخلي عبر اتهامه للشرطة الفلسطينية بالتدخل لإلغاء المؤتمر، زاعماً أن "الشرطة لم تتدخل أثناء المشاكل ولكنها تدخلت بعد انتهائها، حيث كان المؤتمر يسير سيراً حثيثاً لإنجاز إجراءاته وجاءت الشرطة تطلب إنهاءه خلال فترة قصيرة".
وكانت الشرطة الفلسطينية تدخلت بعد نشوب الاشتباكات وعملت على فض الطرفين ومنع فلتان الوضع، وأوقفت نحو 30 من المشاركين في العراك والاشتباكات، وفرضت الهدوء والسيطرة على المكان.
ونفى أبو سمهدانة أن يكون المؤتمر قد عُقد بمعزل عن موافقة قيادة حركته التي كانت قد أجلته الأسبوع الماضي لإشعارٍ آخر قائلاً "الذي أوقف إجراءات المؤتمر هو الذي أمر باستمرارها"، في إشارة إلى القائد العام للحركة محمود عباس.
أسباب "فشل" عديدة
ولاحقاً استؤنفت العملية الانتخابية لإقليم وسط خان يونس، وأفاد الكادر الفتحاوي هشام ساق الله أن العملية انتهت بفوز مجموعة من كوادرها رغم كل محاولات افشال المؤتمر وتدخلات أعضاء باللجنة المركزية.
وأوضح أنه شارك في عملية التصويت 385 عضوا بالمؤتمر من أصل 529 عضوا ، حيث رشح 28 كادراً أنفسهم لهذه الانتخابات بعد انسحاب 5 من المشاركة وتم استبعاد بعض الأوراق اللاغية.
بدوره، عقب الكاتب والمحلل السياسي هاني حبيب، على الأحداث التي جرت في مؤتمر فتح في خانيونس، بالقول: "فتح لم تتغير ولن تتغير في سنوات"، مشيراً إلى أن ما جرى في المؤتمر "نتيجة طبيعية لحالة الموات التي تشهدها الحركة".
وأرجع حبيب في حديثه لـ"الرسالة" أسباب هذا التطور في العلاقة الفتحاوية الداخلية إلى حالات الاحتقان والاستقطاب والبحث عن شرعية مفقودة وعدم وجود مؤسسات فاعلة وهياكل تنظيمية لها القدرة على التأثير على الوضع الداخلي.
ويرى أن ما حدث في خانيونس ليس مستهجناً باعتباره تداعيا طبيعيا لـ"الحالة المرضية داخل فتح منذ عدة سنوات، تكاد تكون حالة متأصلة خاصة بعد تراجع الحركة"، لافتاً إلى أن السنوات الماضية أظهرت حجم الخلافات التي تعتري هذه الحركة.
كما لم يستغرب حبيب محاولة كل فريق داخل فتح أن يسوق المبررات التي تبرئه مما حدث فقال "الجميع يعرف أن ما حدث عار على هذه الحركة والجميع يحاول التنصل من مسئوليته وإلقاءها على الآخرين".
وعبر حبيب عن رأيه بأن حركة فتح أينما وجدت سواء قواعد وكوادر وقيادات تتحمل مسئولية كل ما جرى وسيجري، باعتبار أن ما يجري اليوم هو نتاج انسياق هذه الحركة في السنوات الأخيرة، منوهاً إلى أن ما حدث في خانيونس ربما يحدث أكثر منه في مرات قادمة ومناطق أخرى.
وحاول حبيب تشخيص المشكلة الحقيقة لفشل أي انتخابات لحركة فتح فقال "المشكلة أن هذه الحركة ليس لها تقارير وأعراف تنظيمية حقيقية، وإنما تتوقف عن بند واحد هو الانتخابات، وهذا يعني أنها مسألة محاصصة وعملية ترفيع لهذا وإخضاع لذاك"، مشدداً على أن أي عملية انتخاب يجب أن تكون مبنية على فرز التجربة والخبرة في العمل الميداني والتنظيمي والموقف السياسي وليس مجرد انتخاب أشخاص أسماؤهم محددة سلفاً، على حد تعبيره.