بذلت أطراف اقليمية ودولية عدة جهودا لمنع انفجار قطاع غزة مجدداً وعدم الدخول في مواجهة بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس في غزة، خاصة تركيا وقطر وأخيراً رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير، الذي استمرت جهوده عدة شهور وتزايدت الاحاديث بأنها تقترب من الوصول الى اتفاق يتم بموجبه تثبيت وقف اطلاق النار مقابل رفع الحصار وانشاء الميناء والمطار.
ويبدو أن أطرافا عديدة في المقابل أغضبها ما أثير حول الاتفاق أبرزها مصر والسلطة الفلسطينية في رام الله التي صرحت عدة مرات ان الاتفاق يكرس الانقسام ويمثل اعلان دولة غزة.
وتشير المعطيات الى أن هذه الاطراف مارست ضغوطا على (إسرائيل) لمنعها من التوصل لاتفاق مع حماس حتى لا يحسب كإنجاز للأخيرة يرفع من اسهمها في الاراضي الفلسطينية والخارج.
وتعثر المفاوضات كما يشاع حالياً، وكما صرح قيادي في حركة حماس قائلاً "الجهود تسير نحو الفشل"، ليس لرفض (إسرائيل) رفع الحصار او انشاء ميناء او حتى تشغيل المطار، فوجود ميناء في غزة برقابة دولية لن يؤثر سلبياً على أمن (اسرائيل)، لكن هناك تبعات سياسية للاتفاق يبدو ان الاحتلال يخشاها.
وأول تلك التبعات السياسية للاتفاق، أنه سيدفع العديد من الدول وخاصة الاوروبية التي تبدي ليونة في مواقفها اتجاه حماس من الاعتراف بشرعيتها وفتح حوارات علنية معها، ما يعني نفي صفة الارهاب عن الحركة وهو ما سيوفر لها فرصة لإقامة علاقات واتصالات مع العديد من الدول ويكسر العزلة السياسية والمالية التي عانت منها حماس.
في المقابل تجد (إسرائيل) أن الاتفاق سيشكل ضربة قوية لرئيس السلطة محمود عباس وهذا ما دفعه للتهديد بالاستقالة مؤخراً كرسالة لإسرائيل قبل غيرها من الدول انه سيغادر الضفة الغربية -الاهم والاخطر بالنسبة للاحتلال- ويتركها في حالة من الفوضى.
من ناحية، أخرى فإنه لا يمكن أن يجري اتفاق من هذا النوع دون ن يعرض على مصر التي هي على تماس دائم بالقضية الفلسطينية، وهنا يمكن ان تلعب دورا تخريبيا في ظل حالة العداء التي تبديها اتجاه حركة حماس وغزة، خاصة ان بناء ميناء يعني انه سيفقدها اهم ورقة في يدها اتجاه غزة وهو معبر رفح الذي تخنق من خلاله القطاع.
وهذا ما أكده الكتاب والمحلل السياسي الإسرائيلي "أليكس فيشمان" حيث كشف في مقال له أن مصر بقيادة عبد الفتاح السيسي مارست الضغوط على حكومة نتنياهو لوقف مبادرة بلير.
ولا يمكن اغفال اهمية الضغوط التي تمارس على الاحتلال لثنيه عن التوصل لاتفاق مع حماس، لكن يجب الاقرار بان ما يحرك الاحتلال هو مصالحه وأمنه بالدرجة الاولى والدوافع التي سمحت بالدخول في مفاوضات غير مباشرة ما زالت قائمة، فحركة حماس خرجت من العدوان الاخير قوية ومتماسكة واستطاعت ترميم الكثير من قدراتها العسكرية وتطويرها كما تؤكد تقارير إسرائيلية، وهو ما يعني ان مخاوف الاحتلال من انفجار القطاع ما زالت قائمة ورغبته في تهدئة الجبهة الجنوبية في ظل وجود عدة جبهات ملتهبة أمر مطروح بقوة.
كما ان حماس تمتلك ورقة قوة لا يستهان بها وهي جنود الاحتلال الذين أسرتهم في العدوان الأخير.
ويحاول الاحتلال فرض شروط صارمة في ظل مساعيه لجر حماس نحو "أوسلو 2" وهو ما ترفضه الحركة وأكدت مراراً أنها لا تسعى لأي اتفاق سياسي بل لاتفاق ميداني يثبت حالة الهدوء الموجودة حالياً بما يسمح بتحسين الوضع الانساني لسكان القطاع وتسريع عملية الاعمار الى جانب التخفيف من الفقر والبطالة.
ورغم الحديث عن شروط اسرائيلية عديدة وقفت حجر عثرة أمام الاتفاق لكن لا يمكن الجزم بأن المفاوضات انهارت تماماً، خاصة أن الأيام الأخيرة حملت العديد من الرسائل غير المباشرة بين الطرفين والتي جاءت كضغوط متبادلة لتحسين ظروف المفاوضات.
وتداولت مصادر عديدة أن أبرز شروط (اسرائيل) التي أزمت المفاوضات هو طلبها توقيعَ حماس على نص مكتوب، عن عدم ممانعتها في إقامة دولة على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967، وهو ما ترى فيه الحركة "لغما"، الهدف منه توريطها في اتفاق سياسي يكون بمثابة "أوسلو 2".
وجاء تصريح موسى أبو مرزوق عضو المكتب السياسي لحركة حماس كتأكيد لرفض حركته اوسلو جديد حيث قال "يجب أن يطمئن الجميع أننا لن نكون استمراراً لأوسلو، وأن ما رفضناه لغيرنا لا يمكن أن نرضاه لأنفسنا".
والواضح أن أي اتفاق ميداني سيكون له تبعات سياسية تشكل هواجس لدى طرفي الاتفاق، لذا يحاول كل طرف نزع المكاسب السياسية التي قد يحظى بها الخصم، ما يعني ان الطريق ليس معبدا وأن العثرات الموضوعة في طريق الاتفاق كبيرة وكثيرة لكن تبقى الرغبة الفلسطينية والإسرائيلية والدولية في تهدئة جبهة غزة ومنع مواجهة جديدة قريبة دافعا قويا لذلك.