قائمة الموقع

الريس أبو حصيرة يروي "حدوتة" ميناء غزة

2015-09-07T06:39:54+03:00
خلال محاورة الزميلة أمل حبيب للريّس أبو حصيرة
غزة - أمل حبيب

أمام أعمدة خشبية متشبثة بالقاع لعشقها للبحر وانتمائها له ولحياة كانت مزدهرة يومًا على مرساها. كنا هناك وحدوتة الميناء يرويها "للرسالة" الريس عبد الباري محمد أبو حصيرة.
دعواته للبحر أن يتركه على ميناء غزة الخشبية تتأرجح به وضحكات الصبية حيث التاريخ والملاحة عبر أهم مرسى على الساحل الفلسطيني !
الحاج أبو منذر يذكر جيدًا تفاصيل الميناء بعناصرها وحركة الاستيراد والتصدير وسنة تأسيسها عام 1925 كما يذكر أن تاريخ وعد بلفور هو يوم ميلاده .
ضربات الموج ازدادت انكسارًا أمام حديث "الريس" عن المركز التجاري في القطاع بعد أن شكلت أحد أهم موانئ فلسطين على الساحل الشرقي للبحر المتوسط .

شط الرئاسة !

منذ لحظة وصولنا اتجهت الأنظار بحثًا عن بقايا الميناء الا أن أنامله سبقتنا اليها وهو يشير على الأعمدة الخشبية المتشبثة بالمياه ويقول :" هنا شط الرئاسة والتجارة .. هنا الحياة حيث كانت الميناء عبارة عن أعمدة خشبية سقفها باطون تتنقل خلالها الجرم لتفريغ السفن والبواخر وايصالها للميناء أو لتحميل الحبوب والشعير والحمضيات من غزة الى تركيا واليونان والكويت ومصر ".
ويوضح أبو حصيرة بأنه قبل عام 1963 كان تصدير الشعير للخارج بكميات كبيرة حيث قال :" كل الشط كان شعير" الى أن حل اضراب فلسطين من 1936 الى 1948 .
حديث الحاج أبو منذر امتزج بذرات ملح تطايرت على وجوهنا من رذاذ البحر أمام الشريط الساحلي، وأوضح بأن التجارة ازدهرت بعد عام 1956 ، فتنوعت البضائع المصدرة من غزة الى الخارج حيث تنوعت ما بين حبوب الحمص والفول والشعير الى بذر الخروع والذي كان يستفيد منه الطيران المصري في سيناء ورفح ، مشيرًا الى أن مراكب متتالية كانت تحمل على متنها البطيخ وتنقله الى الكويت .
ابتسامة الاعتزاز بماضيه كانت جلية على محياه طيلة حديثنا اليه لاسيما أثناء حديثه عن البواخر التي كانت تصل متتابعة من رومانيا ويوغسلافيا لتحميل الحمضيات من غزة .

بنوتة وزنوبة !

علاقة البر والبحر وامتداد الجغرافيا مع الجوار الفلسطيني المصري كان حاضرًا في حدوتة الميناء حيث تبين لنا بأن غزة تظلم اليوم وتقهر من الامن المصري بإغلاق معبر رفح واختطاف أبنائها في حين كانت منفذا ومتنفسا للمصريين على مدار ازدهار الميناء، وفي السياق قال أبو حصيرة :" غزة كانت ميناء حرة للمصريين فبعد وصول البضائع اللبنانية وتفريغها على الميناء تصل البعثات المصرية وضباط الجيش للتبضع "، ويكمل بعد أن مسحت بسمته تجاعيد وجهه :"الكثير منهم كان يحط رحاله لتجهيز البنوتة من الأقمشة والاكسسوار والكريستال وحتى الزنوبة ".
استحضرنا كلمات المفكر المصري محمد الجوادي والذي أنصف غزة خلال حوار سابق له مع "الرسالة" حين أكد أن بلاده مخطئة في حق غزة، وأنها مطالبة بتصحيح هذا الخطأ حتى لو مر عليه 50 سنة ، قائلًا:" غزة صاحبة حق، بغض النظر عمن يحكم فيها ومن يحكم في مصر"
نفث أعقاب سيجارته وكأنه بداية لانتكاسة في عمل الميناء وما يمثله عام 1967 له بعد أن توقف العمل في المركز التجاري لغزة لغاية السبعينات بسبب الاحتلال والأوضاع الصعبة ، وفي السياق يقول الريس:" بعد السبعينات عملنا على استيراد الاسمنت وباتت الضفة تحمل والاحتلال كذلك ".
حزن وسع الكون بحجمه سكن الريس والعاملين على الميناء حينما توقف العمل تماما في الميناء وشلت حركة الاستيراد والتصدير في منتصف السبعينات وصفه الحاج أبو منذر بالدمار .

شواهد باقية

عكست عيناه الواسعتان وشعره القطني خبرته.. ورث حبه للبحر من جده عبد الله عرفات أبو حصيرة والذي اعتبر أول من سكن الشاطئ من أهالي القطاع ، هنا أمام شاطئ غزة حيث كان أبو منذر المسؤول في البحر عن تفريغ وشحن "الجرن" وايصالها من البواخر الى الشاطئ والعكس كذلك .
ولم تعتبر مركزا تجاريا بداية القرن العشرين وحسب بل اتخذت ميناء غزة مكانا محوريا في طرق القوافل التجارية في العالم القديم ، حيث اكتشفت  مجموعة من الأعمدة والتيجان الرخامية الأثرية في ميناء غزة تعود للعام 335 م خلال عام 2011.
" المراكب زي الناس فيها عجوز بعكاز وفيها شاب " بذاك الوصف الدقيق أجاب أبو منذر حينما سألناه عن بعض الحوادث التي لازالت عالقة في ذاكرته عن بواخر غرقت أمام سواحل غزة ، وبحسب أبو منذر فقد غرقت باخرة تركية قبل عام 1973 وضل من فيها على مقربة من اسدود ، في حين تمكن الريس والعتالون من انقاذ طاقم باخرة أخرى غرقت امام الميناء بسبب الرياح ".
ويؤكد أبو حصيرة على وجود بقايا من باخرة غرقت أمام بحر مخيم الشاطئ بغزة كانت محملة بالإسمنت  ، في حين شكلت تلك الميناء بعد حصار غزة الطريق الوحيدة لإنقاذ الغارقين في قهر الحصار من خلال القوافل المتضامنة مع القطاع كأميال من الابتسامات وأسطول الحرية وغيرها.
وقبل أن نودع البحر وريسه أهدانا أمنية وتنهيدة باتت تتأرجح بين مبادرات وبنود الهدنة مع الاحتلال لإنشاء ميناء لغزة في قبرص يعمل تحت رقابة دولية وبين مشاريع استثمارية لاستجمام المواطن الغزي بعد أن كانت هنا الرئاسة والتجارة وريس انتهت حدوتته مبكرًا !

اخبار ذات صلة