قائد الطوفان قائد الطوفان

أحمد دوابشة في الليلة الأولى لاستشهاد أمه: "بدي ماما"

الطفل الجريح أحمد دوابشة
الطفل الجريح أحمد دوابشة

نابلس- الرسالة نت

على غير عادته، أمضى الطفل الجريح أحمد دوابشة الليل باكيا، بينما لم يغب عن لسانه سؤالٌ واحد مفاده "أين أمي؟"، وكأنه أحس بانتزاع جزءٍ من روحه، بعد أن جرت الدموع على آثار الحروق التي شوّهت وجهه البريء.

بين الفينة والأخرى، ينظر لمن حوله يسأل بعينه "أين أمي وأبي وأخي الصغير علي؟"، الصمت يخيم على المكان، وتأخذ دموع الرجال سبيلها أمام آلام الطفل أحمد.

أعوامه الأربعة وجسده المحروق، ونار الشوق العارم لأمه، لم تكن كافية لإخباره بأنها رحلت ولن تعود مجدداً، ولا تشكل ورقة قوة تمكنه من الاحتفاء بحضن أخير منها؛ ينسيه شيئاً من وجعه، ويبرد النار التي التهمت جسده الغض.

حسين دوابشة والد الشهيدة ريهام الذي كان يرافقها في المستشفى يقول: " قبل استشهاد أمه بساعة بدأ أحمد بالبكاء مطالبا بحضور أمه، لم ينم حتى الصباح، كأنه يشعر أن شيئا ما حدث، يسأل وينادي بإلحاح يريد والديه".

يصمت الجد قليلا بعد أن هزمته الدموع، يحاول لملة الحروف أمام الحدث الجلل ويقول بحروف متقطعة: "بعد أن استشهدت ريهام ذهبت لغرفة أحمد، كان يبكي، وينظر لي وكأنه يسألني أين أمي، للأسف.. لم أستطع أن أجيبه".

أحمد الطفل الصغير بعمره، الكبير بهمه وأوجاعه، وما ينتظره من تفاصيل موجعة عندما يكبر، لن يودّع أمه، كما لم يودّع من قبل والده وشقيقه علي، الذي طالما ملأت ضحكاته أركان البيت وهو يلاعبه، انتهت تفاصيله بلهب التهم أجسادهم جميعا، ليرحل الأب والأم والرضيع، ويبقى أحمد شاهداً على المحرقة، يكتوي بنارها كل صباح، عندما يفتح عينه ولا يجد أمه بجواره.  

وبصوت تخنقه العبرات، يضيف الجد: "لن نخبر أحمد أن أمه استشهدت، ولن يتمكن من وداعها، فهو أصغر وأضعف من هذا الموقف، سنحاول إخباره بالأمر لاحقا، أما الآن فخالته تجلس معه تحاول طمأنته والتخفيف عنه".

ومنذ أن استيقظ أحمد بعد إصابته بأيام أخذ بالسؤال عن أمه، ولماذا تأخرت عليه؟، وكان يخبر أفراد عائلته المتواجدين معه بالمستشفى بأنه اشتاق لها ويريدها هي ووالده، كما أنه يتذكر اللحظات الأخيرة لمشهد الحريق الذي التهمه مع عائلته، حيث قال إنه رأى المستوطنين يضربون والده وشاهد والده يحترق، بينما هرب هو لداخل البيت المشتعل خائفا منهم، لتلتهمه النيران.

وروى شهود عيان ممن أنقذوا الطفل أحمد، أنه كان يجلس في إحدى زوايا المنزل خائفا من المستوطنين، بينما كانت النيران تشتعل في الجزء الأيمن من جسده.

وبحسب التقارير الطبية لحالته، فقد قدّر الأطباء حاجته لـ 180 يوما حتى يتماثل للشفاء، وما يقرب العامين لإتمام العلاج التجميلي لجسده.

وشيّعت جماهير غفيرة، اليوم الإثنين، جثمان الشهيدة ريهام دوابشة في مدينة نابلس شمالي الضفة المحتلة، بعد إعلان استشهادها منتصف الليلة الماضية، ليصادف يوم استشهادها بيوم ميلادها، في حين رحل زوجها سعد في ذكرى زواجهما.

ونقل جثمان ريهام لمركز التشريح في جامعة النجاح الوطنية؛ لتوثيق أسباب الوفاة، وانطلق بعدها موكب التشييع من أمام الجامعة إلى قرية دوما جنوبي مدينة نابلس، لترقد في قبرها بجوار زوجها ورضيعها علي.

وكانت لجنة التنسيق الفصائلي في مدينة نابلس قد أعلنت الحداد العام بالمدينة لثلاثة أيام على روح الشهيدة دوابشة، كما علقت مديرية التربية والتعليم الدوام في المدينة الساعة الحادية عشر للمشاركة بتشييع ريهام، التي تعمل معلمة في مدرسة جوريش جنوبي نابلس.

كما أطلق ناشطون دعوات بأن يكون يوم الجمعة المقبل يوم غضب ومواجهات في نقاط الاحتكاك مع جيش الاحتلال، رداً على جريمة حرق عائلة دوابشة، وانتهاكات الاحتلال المتواصلة للمسجد الأقصى، ومحاولات تقسيمه زمانياً ومكانياً.

البث المباشر