كثير من الإخوة والأخوات يفكرون بكتابة المقالة الصحفية. ويزيد الإقبال على هذا الفن القديم والهام والمؤثر في ضوء انتشار الإعلام الإلكتروني وكثرة المواقع قليلة التكلفة وسهولة التعامل معها، والكتابة مهارة كما هي مسؤولية، لأنك تنتقل من رد الفعل إلى الفعل ومن حالة الاستقبال إلى الإرسال ومن التأثُّر إلى التأثير.
ولا شك أن لكل واحدٍ منا رؤيةً بسيطةً كانت أو معقدة في قضية ما واتجاه أمرٍ ما، وكتابة المقال طريقة من طرق التعبير عما يجول في خواطرنا وعقولنا وإيصال أفكارنا للآخرين، فالمقالة مؤثرة ولها جمهورها وتختلف من مكان لآخر ومن زمان لآخر ومن وسيلة إعلامية لوسيلة أخرى، فالإلكترونية مثلاً يُفضلُ أن تكونَ مختصرةً مكثفة تخلو من الشرح والإطالة، فالقارئ الإلكتروني سريع الملل كما أنه اعتاد على التغريدات القصيرة، ولديه خيارات غير محدودة، والمنافسة تشتد وما عليه إلا أن يضغط على أحد الأزرار لينتقل لمكان آخر، بعكس قارئ الصحف النهم والمتمهل والمتأمل والأكثر صبراً، كما أن خياراته محدودة فليس أمامه إلا هذه الصحيفة، كما أن من عادته التعمق واستحبابه للشرح والتأصيل.
كثرة الكُتَّاب دليلٌ إيجابيٌ على حراك المجتمع وثقافته. ومع هذا فعلينا الاهتمام بالنوعية وأن نحرص على تقديم الجديد والمفيد وامتلاك أسلوبٍ مقبول، فيه من التشويق والفكر والمعلومات والبساطة؛ وهذا يتطلب منا الاطلاع المتواصل على فنون الأدب وقراءة الكتب والتنوع في المعرفة وضمان وجبات فكرية وعلمية متواصلة، فلا كاتب من غير قراءة ولا تميز من غير تنوع في العلوم والمعارف والمشارب الفكرية.
وعني .. أشجع كل من يجد رغبةً في نفسه للكتابة والنشر؛ وألفت الانتباه إلى أن كتابة المقالات فنٌ واسعٌ متشعب ومتعدد الاتجاهات فلا تضيقوه، فليس شرطاً أن تكتب في السياسة وقد أغرقت وأصبحت مكررة وركيكة في معظمها لما يعتريها من التقليد والتكرار وعدم الإضافة.
وعلى أهمية السياسة في الحياة إلا أننا في حاجة لمقالاتٍ في الرياضةِ والاقتصادِ والفن والقضايا الاجتماعية وفي التاريخ وعلم النفس والسلوكيات والعلوم الطبيعية كفيزياء الكم والجغرافيا والجيولوجيا، بل ربما حاجة المواقع الإعلامية الفلسطينية والمجتمع اليوم أكثر لهذه الكتابات فهي عطشى للتناول الشامل.
ومن الالتفاتات المهمة أيضاً للمقبلين على الكتابة أننا في زمن التخصص. فلنحذر فخَّ العموميات، حتى وإن أردت أن تكتب في السياسة فاختر موضوعاً وركِّز في تناوله وحده والتفصيلِ فيه والتدقيقِ بجزئياته، فلا تكتب عن مشاكل الشرق الأوسط وتعقيدات الملف الإيراني وأطماع الصين الجديدة وانتكاسات الربيع العربي والملف الكيميائي السوري وما إلى ذلك من مواضيع مما يفقدك التميز والتعمق وإضافة الجديد، فالصحافة الإسرائيلية على سبيل المثال تتميز بأن كُتابها يكتبون في تخصصِ التخصص، فمنهم من لا يكتب إلا عن الحركات الإسلامية أو حتى تقتصر كتاباته على حركة حماس، فتجده مُلمَّاً بتفاصيلها ويقدم وجبات غنية في كل مرة يكتب فيها، وتجد آخر يتحدث عن المنظمة وفصائلها اليسارية وحينما يكتب عن الجبهة الشعبية مثلاً يُفاجئك بغزارة معلوماته ومعرفته حولها، فالتخصص والتركيز يقيك من التشتت والسطحية ويميز كتاباتك ويزيدها أهمية.