مؤمن بسيسو
حديث الأخ إسماعيل هنية رئيس الوزراء في حفل تكريم المؤسسات الإعلامية الخميس الماضي فتح نافذة أمل جديدة لجهة إحداث اختراق إيجابي في ملف المصالحة المتعثرة خلال الأيام القليلة القادمة.
تحدث هنية مطولا عن السياقات والظروف والعوائق في مرحلة ما بعد فوز حماس في الانتخابات حتى اللحظة، وهو كلام يُقرّ به كل وطني منصف، ولا يماري فيه إلا فئوي منغلق أو جاهل كبير.
لكن ربع الساعة الأخيرة التي تناولت المصالحة ومستقبل الوضع الفلسطيني كانت الأهم بامتياز، والأكثر ملامسة لعقول وشغاف وجدان الجميع بلا استثناء.
لأول مرة يتحدث هنية عن التفاف ذكيّ حول الورقة المصرية، ولأول مرة يتحدث عن إمكانية بلورة تفاهمات داخلية مع حركة فتح تسمح بإحداث اختراق مهم يحمل بشرى التوافق والمصالحة، وينهي الانقسام النكد في حياة الفلسطينيين.
منذ البداية طالبنا بجهد داخلي بين الحركتين الكبيرتين بعيدا عن نزعة التشدد المصرية، وأكدنا أن الحوارات البينية قادرة على إرساء تفاهمات مقبولة يُصار إلى تطبيقها عقب التوقيع على الورقة المصرية، لأن التطبيق يبقى فلسطينيا خالصا ورهنا للإرادة الفلسطينية الداخلية أولا وأخيرا.
من الصعب أن تستمر الأوضاع على هذه الشاكلة الكارثية، فالوضع الوطني برمته يعيش أزمة غير مسبوقة، وهناك من يحاول تفريغ العمل الوطني الفلسطيني من كل قيمة نبيلة وبعد شريف، وتحويل الكيان الفلسطيني إلى محمية إسرائيلية تعيش في كنف الرؤية والسياسة الإسرائيلية، وتغييب القضايا الوطنية الكبرى لصالح إدارة ذاتية شكلية تعتمد على النماء المؤسسي والازدهار الاقتصادي فحسب.
لا تعيش حماس وحدها أزمة الحصار، فحركة فتح تعيش حصارا "فياضيا" غير مسبوق ينذر بتلاشي دورها ونفوذها خلال المرحلة المقبلة، ويكفي القول أن فياض يعتبر الرجل الأقوى في الضفة بلا منازع، وأن السيد عباس لا يملك سلطة النفوذ والقرار التي يمتلكها فياض هناك، وأن عباس بدأ يستشعر خطورة زحف فياض وهيمنته على مقدرات الكيان السلطوي واستقطابه الكثير من كوادر وقيادات فتح عبر منظومة الإغراءات والتسهيلات والامتيازات.
بل إن فياض بلغ مبلغا خطيرا حين طرح مشروعا سياسيا خاصا بعيدا عن عباس، وعمل – ولا يزال- على ترويجه داخليا وخارجيا، ولا يفتأ مشاركة في أبسط الفعاليات المؤسسية والأنشطة الجماهيرية بغية تحشيد حالة دعم وتأييد فلسطينية واسعة تسمح برفعه وتصديره في أية انتخابات قادمة.
وحدها المصالحة قادرة على تحجيم دور ونفوذ فياض، وإخراجه تدريجيا من حلبة اللعب مع الكبار، وإعادة فتح إلى مواقع قوتها التقليدية في الضفة التي صادرها فياض.
وحدها المصالحة –أيضا- قادرة على إعادة حضور حماس على أرض الضفة، وتفعيل العمل الوطني المشترك لمواجهة تحديات التهويد والاستيطان والتهجير، والدفع باتجاه المحاصرة التدريجية لتيار القطيعة والتنسيق الأمني والارتباط المصيري مع الاحتلال داخل حركة فتح وخارجها.
لم يعد الفلسطينيون يهتمون كثيرا لتفصيلات المواقف أو حقيقة المخطئ من المصيب في ظل أزمتهم اليومية الخانقة، فما يعنيهم هو إنجاز المصالحة وذبح "البقرة" دون أسئلة عن لونها وشعرها أو لحمها وعظمها مع فارق التشبيه.
كلنا أمل أن يحمل لنا الأخ أبو العبد بشرى التوقيع قريبا، وأن يرسم البسمة مجددا على شفاه عموم الفلسطينيين.