بقلم أمين سر المجلس التشريعي
د.محمود الرمحي
عود على بدء بعض وزراء العربي يعطون الضوء الأخضر مرة أخرى للرئيس أبو مازن بأن يعود للمفاوضات " غير المباشرة ".. ولكن هذه المرة ربما أراد العرب أن لا يكونوا ملكيين أكثر من الملك بعد أن تمنى عليهم عباس أن لا يرفضوا العودة للمفاوضات عبر القناة الثانية الصهيونية فقد منحوا " المنظمة القرار الأخير " ،ورغم الرفض الواسع لهذه السخافة من قبل الشارع الفلسطيني إلا أن " المنظمة " تقرر الشروع بالمفاوضات وعلى أعلى المستويات بقيادة " الرئيس " شخصياً، وهنا استذكرت آخر جولات المفاوضات الهزيلة في زمن الراحل أبو عمار قبل حصاره ومن ثم اغتياله بالسم، واستذكرت حينها كيف عملت السلطة الفلسطينية على إخراج الجماهير والمؤسسات والمدارس لاستقبال الزعيم المنتصر الذي قال " لا " في كامب ديفيد الأخيرة.
وربما نحن الآن أمام إعادة المشهد، فقيادة السلطة بعيداً عن صفتها أو شرعيتها تقبل هذه الأيام أن تلدغ من ذات الجحر مرات عديدة، تعاود مد يدها مرة أخرى تلتمس الحنان، وتستجدي الدولة من ذات الوكر حيث موطن الأفعى ذات الرأسين، ولا أستطيع هنا أن أدعي بأن عيون الشعب الفلسطيني تشرئب إلى وهم الدولة المزعومة أو حتى رفع حصار أو إزالة حاجز عبر هذه الجولة، فقد ملّ الشعب من تفاهة هذا المسلسل ذو الحلقات الطويلة التي امتدت على مدى ثمانية عشرة عاما، في حين ما زال أبطاله يحاولون حتى اللحظة إثبات أنفسهم أمام المجتمع الدولي أنهم دعاة سلام، بل إن الشعب الفلسطيني بفصائله قد وقف أمام العودة إلى ما يسمى بالمفاوضات غير المباشرة بعيداً عن تصريحات رواد " الحياة مفاوضات" الذين لا يخجلون من التشكيك بجدوى هذه المفاوضات.
أما عن التوقعات بعد انتهاء الأربع أشهر المزعومة، فأحاول أن أطلق العنان للخيال بعض الشيء لمناقشة سيناريوهات هذه الأربعة، وأدعي أن حكومة الكيان المسخ ستعطي للمفاوض الفلسطيني دولة وستنسحب إلى حدود 67 وتعترف بحق العودة وتطلق الأسرى، أحاول.. إلا أن هذا الخيال يصطدم بالعقيدة التي تربينا عليها، فقد نزل في حق اليهود من فوق سابع سماء ( أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا ) النساء53، نعم لا يعطون الناس النقير اذا ما امتلكوه، ولو أراد اليهود أن يعطوا الشعب الفلسطيني شيئا لكان ذلك خلال ثمانية عشرة عاما، ولكن ما لم يتم في خُمس قرن لن يتم في ثلث سنة..
أما السيناريو الآخر فهو أن يشطب المفاوض الفلسطيني حق العودة ويفرط بالقدس والمسجد الأقصى على بسطة المفاوضات، ويقبل بما تبقى بعد المغتصبات والطرق الالتفافية من فتات الأرض، ولكن هذه السيناريو وإن سعى له البعض من "جنيف" إلى "هرتسيليا" لن يمر فالشعب أمسى يعي عظمة الموقف، ويفهم معنى الأقصى والمقدسات، ويعرف معنى استعادة الحقوق بل إن الشعب الفلسطيني أصبح يُرضع أبناءة لبان حب بيت المقدس وعشق تراب الأرض المقدس، فلن يغفر الشعب لكل من يحاول ان يبيع الحقوق في سوق نخاسة.
وأخيرا ما يجول في خاطري، أن يقول الرئيس أبو مازن مقولة سلفه أبو عمار، وأن يحاول عودة الزعيم المنتصر لتخرج الجموع وتحيي البطل مرة أخرى،ولئن فعلها فسيشرب من ذات الكأس التي شربها سلفه، وهنا ألم يأن لسيادة الرئيس أن يقرأ الواقع ويقلب صفحات التاريخ القريب، ويختصر على نفسه الطريق، وعلى شعبه معاناة التنسيق الأمني الذي يستعمل وقوداً لقطار التسوية الطويل، ويعلن أمام شعبه فشل مسلسل أوسلو اللعين.
يا سيادة الرئيس لست بحاجة إلى تكرار التجربة فهناك طريق أقصر لا يمر بواشنطن ولا كامب ديفيد، ولكنه عبر نافذة مكتبك انظر إلى شعبك وكن معهم في خيار الصمود والمقاومة.
لن نمل من تكرار ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، والدولة لن تأتي على طبق من ذهب من الغرب الذي تآمر على أرضنا أول الطريق، بل من يريد الدولة فليشمر عن ساعده ليتصدر طوابير المقاومين بعيدا عن حسابات السلطة ورغد العيش.