كلما سمعت "جوري" ابنة العام والنصف صوت مركبة تقف أمام المنزل تركض باتجاه النافذة، ظناً منها أن والدها الذي اشتاقت إليه حدّ البكاء قد عاد، لكن لحظات الانتظار الطويلة بعد صوت تلك المركبة، تخبرها أن "بابا" لم يأت بعد.
ليال (4 سنوات) وشقيقتها جوري، لم ترتويا بعد من حضن والدهما المصور الصحفي أحمد الخطيب (28 عاماً)، بعد أن أُفرج عنه قبل ثلاثة شهور من سجون الاحتلال، لتختطفه سجون السلطة من بينهما مجدداً، ليعيشا مع أمهما تفاصيل حياة حلوها مر.
"مرّ عيد الأضحى في العام الماضي وأحمد في سجون الاحتلال، وها هو سيقضي هذا الأضحى في سجون السلطة"، تقول إرسال زوجة أحمد.
وبعد صمت أتبعته بـ"حسبنا الله ونعم الوكيل"، قالت:"اتصل بي ضابط من سجن المخابرات حيث يُعتقل زوجي، ووعدني أنه سيطلق سراحه قبل العيد، لكن وعوده كانت بالهواء، كلامهم كان خدعة، كما كانت طريقة اعتقالهم لأحمد".
وكان ضابط بمخابرات رام الله قد هاتف أحمد قبل أسبوع، طالباً منه مقابلته والحديث معه بشكل طبيعي في أحد شوارع رام الله، وفور وصول أحمد للمكان، كانت مركبة عسكرية بانتظاره واعتقلته.
تضيف إرسال: "طلبت منا المخابرات دفع ألفي شيكل للإفراج عن أحمد قبل العيد، ودفعنا المبلغ وكلنا أمل بأن يخرج قبل العيد ليكون مع أطفاله، لكن لا عهد لهم".
وأعلن الصحفي الخطيب إضرابه عن الطعام فور اعتقاله، لينضم إليه والده الأسير في سجون الاحتلال والمحكوم بـ 29 مؤبداً، ويضرب تضامناً مع نجله مطالباً بالإفراج عنه، فيتساوى الأب والابن في الجوع والأسر، والظلم واحد.
حكاية أحمد مع الاعتقال السياسي للمرة الثالثة، عندما توضع بحجم تفاصيل الألم الذي يسكنها، أمام معاناة عائلة المعتقل السياسي عبد الفتاح شريم، سيكون للعائلة الأولى حظاً أوفر من الأخرى، على الرغم من أن الظالم والظلم واحد في الحكايتين.
فقصة عبد الفتاح شريم (36 عاما) من مدينة قلقيلية، مع الاعتقال السياسي بدأت منذ عام 2009، ولم تنته حتى الآن، في اعتقال متواصل، حرمه التواجد مع عائلته وطفلتيه آية (11 عاماً)، وجنى (7 سنوات)، اللتان كبرتا بعيداً عن والدهما.
وكانت أجهزة السلطة قد وجهت لشريم تهمة إيواء مطاردين للاحتلال، وحيازة أسلحة، لتصدر المحكمة العسكرية بحقه حكماً لاثني عشر عاماً، حصل بعدها على قرار بالافراج في عام 2010 من المحكمة الفلسطينية العليا، لكن أجهزة السلطة ترفض تطبيق القرار حتى الآن.
"العيد الثاني عشر الذي يمر علينا دون ابني، قلبي يحترق على طفلته آية التي كبرت وكبر حزنها معها، تبكي دائما شوقاً لوالدها الذي حرمت منه"، تصمت أم عبد الفتاح مجبرة أمام دمعات سالت تحرق وجنتيها، لتستجمع أنفاسها وتواصل الحديث لـ"الرسالة نت" قائلة: "كل يوم تبكي آية، تطلب والدها، تريد أن تراه، كبرت دون أن يكون معها".
تحاول الجدة أن تسد شيئاً من الفراغ لتقف عونا لزوجة ابنها في حمل مسئولية "تعويض النقص الحاصل لدى الطفلتين في غياب والدهما"، وتقول: "نعمل كل ما بوسعنا حتى نعوضهم، لا ننقص عليهم ألعابا ولا هدايا وكل ما يلزمهما، لكن لا شيء يسد مكان الأب مهما فعلنا".
وتشير أم عبد الفتاح إلى أن ابنها مستمر في إضرابٍ مفتوح عن الطعام منذ شهرين، مطالباً بالإفراج عنه، كما يرفض زيارة عائلته له في سجن أريحا.
وتتعمد أجهزة السلطة نقل المعتقلين السياسيين لسجون في محافظات بعيدة عن مناطق سكنهم، لتعيق زيارة عائلاتهم وتمنعهم من التواصل بشكل طبيعي معهم.
وفي نابلس، صورة أخرى لتلاشي فرحة العيد عند عائلات المعتقلين السياسيين، فعلى صفحتها على فيسبوك، كتبت زوجة المعتقل كامل حمران على لسان طفلها المريض إسلام: "بابا...وين رحت؟ وليش طولت الغيبة؟ وعدتني نروح ع الباي، وبالعيد نروح للمراجيح زي كل الأولاد، وعدتني بس أصير أمشي تاخدني كل يوم مشوار، وأروح عالروضة، وتجيبلي شنتة ودفتر".
"وينك يا بابا؟ أنا محتاجك، أرجوك تكون معنا بالعيد، وتجيبلي أنا وأختي أواعي عيد، ونروح مع بعض كل مشاوير العيد..وتشتريلنا كل الألعاب"، كلمات لخصت فيها دعاء حمران معانتها وطفليها في ظل استمرار اعتقال زوجها منذ أكثر من ثلاثة شهور، على الرغم من صدور قرار بالإفراج عنه الشهر الماضي.
وكانت حمران قد أطقلت حملة على لسان طفلها إسلام ابن العامين ونصف، بعنوان "أعيدوا أبي لعلاجي"، حيث يعاني من مرض في بطئ النمو، وكان يعتمد على والده في علاجه التأهيلي الذي يحتاج لمتابعة مستمرة وطويلة الأمد.