غزة- فادي الحسني
رد صوت أنثوي على مكالمة محلية :"الو ..جوال معك اتفضل"، قال بصوته الرخيم: "يتحدث إليكِ عصبة ابن جحش رضي الله عنه.. لقد أضعت شريحتي، فماذا افعل حيال ذلك يا ابنتي.. لقد رجوت الله أن يعيدها لي فلم تعد"، ثم يتمادى في السخرية من موظفة شركة جوال، دون أن تندفع الأخيرة لإغلاق الخط.
ويتحدث شاب آخر بلهجة "بدوية" عله ينجح في تغيير صوته، ليسأل موظفة الاستعلامات بالشركة عن كيفية استلام كابون المعونة (الدقيق)، وبدت المكالمة خارجة عن نطاق الاستعلام، "للاستهبال".
هذان النموذجان للمثال فقط لا الحصر، وهما يعكسان استغلال الشبان لخدمة شركة الهاتف المحمول (جوال)، التي تتيح لمشتركيها فرصة الاستعلام عبر الرقم المجاني (111)، ويحاول بعضهم إثارة استفزاز الموظفين مستقبلي المكالمات.
وعلى حجم الاستفزاز الذي يتعرض له الموظفون، لكنهم يضطروا لمواصلة المكالمة أو الخوض في سجال، الأمر الذي يدفع بالمتصل للاستمرار في "التهكم".
وأضحت هذه الحوارات المسجلة الدائرة بين موظفي الشركة والمشتركين "المستهبلين" بمثابة "نكت" يروجها المشتركون عبر هواتفهم المحمولة، لإثارة الضحك.
ويقول بلال وهو موظف استعلامات في (جوال) : "بعض المشتركين يطلبون خدمات جدية وحقيقية ولكن بأسلوب تهكمي، أو عبر تغيير أصواتهم، ونحاول إعطاءهم فرصة(..) طالما يطلب المشترك خدمة يمنع إنهاء المكالمة".
ويضيف الموظف الذي حاورته "الرسالة" عبر الرقم المجاني، "في حال تجاوز المشترك حدود المعقول في حديثه، نضطر لتحذيره من إنهاء المكالمة"، مؤكدا أن موظفي الشركة يضبطون عواطفهم وانفعالاتهم بشكل كامل، إذا ما واجهوا مكالمة تهكمية.
وقال الموظف بلال أن المشتركين المتهكمين "ربما يعانوا من حالات نفسية"، ويودون تفريغ مشكلاتهم، مشيرا إلى أن بعض المشتركين قد يضطرون للانتظار عبر الهاتف خمسة دقائق ويزيد لمجرد الحديث مع موظف الشركة، دون أن يكونوا في حاجة للاستفسار عن خدمة معينة من خدمات (جوال).
وعن المواقف الهزلية التي تعرض لها موظف الشركة، قال: "أحد المشتركين انتظر على الخط قليلاً، وعندما قمت بالرد عليه، سألني :كم الساعة"، ويؤكد الموظف أن هذا الموقف لم يثر استفزازه، "لعل هذا المشترك متواجد في منطقة مقطوعة وبذلك نكون قدمنا له خدمة" كما قال.
وعن سؤاله إلى أي حد يتمالك الموظف أعصابه، أجاب: "ما من شخص إلا وقد يفقد أعصابه في موقف معين، لكن وظيفتنا تحتم علينا ضبط عواطفنا وانفعالاتنا".
وشركة (جوال) وهي الشركة الوحيدة المحتكرة للاتصالات "الخلوية" في قطاع غزة، وتعمل بين الفترة والأخرى على تقديم خدمات لمشتركيها، ما يتطلب استيضاح الجمهور عن تلك الخدمات عبر الخط المجاني المخصص.
وبحسب مصدر مسؤول في (جوال)-رفض الإفصاح عن اسمه- فإن الشركة تحرص على منح موظفيها دورات في التفريغ النفسي، وذلك بغية امتصاص غضب المشتركين والتعاطي مع انفعالاتهم، وتقديم الخدمة لهم.
وتضع الشركة قائمة ضوابط للمكالمات المجانية، بحيث يسمح للمشترك الاتصال خمس مرات، على الرقم المجاني (111) للاستفسار خلال الشهر الواحد، وإذا ما تجاوز الحد المسموح به تضطر الشركة لوضعه على قائمة الانتظار وإعطاء الفرصة للمشتركين الذين لم ينته حد مكالمتهم المجانية بعد.
ويؤكد المصدر أن (جوال) وضعت بعض المشتركين على "القائمة السوداء"، كإجراء عقابي، نتيجة خروجهم عن إطار الضوابط الموضوعة، وبذلك يستثنون من عمليات السحب على الجوائز، التي تقدمها الشركة لمشتركيها.
ويرجع الأخصائي النفسي إسماعيل أبو ركاب، إتباع بعض الشبان لأسلوب السخرية في التعامل مع موظفي شركة جوال، للمكبوتات التي يعاني منها أولئك الشبان والتي تدفعهم لإسقاط ما بداخلهم على الآخرين.
ويقول أبو ركاب الذي يعمل في جمعية الوداد للتأهيل المجتمعي :"يرى بعض الشبان المراهقين أن الرقم المجاني يعتبر متنفسا لإسقاط ما بداخلهم على الآخرين"، مشيرا إلى أن الغاية بالنسبة للمشتركين المتهكمين هي محاولة تصوير أنفسهم أمام أصدقائهم بأنهم حققوا انجازا، من خلال استفزاز موظفي (جوال) والسخرية منهم.
كما بين أن الشبان الذين يقومون بافتعال تلك المحادثات الهاتفية المسجلة، يعيشون أوقات فراغ زائدة، وهو ما يدفعهم للبحث عن أشياء يشغلون أنفسهم بها، كالحديث عبر الرقم المجاني.