قائمة الموقع

فيديو: "القناة المائية" لعنة فرعونية تصيب رفح

2015-10-08T07:40:12+03:00
الخط الناقل للمياه من البحر للخنادق
رفح- محمود فودة

يعيش الحاج أبو محمد قشطة، الذي يقطن قرب بوابة صلاح الدين على الحدود المصرية الفلسطينية، في قلق خوفا من الأضرار التي من المتوقع أن تلحق بمنزله؛ بسبب ضخ الجيش المصري للمياه في القناة المائية التي أنشأها مؤخرا على بعد 200 متر من منازل المواطنين.

القناة المائية وبحسب استطلاع اجرته "الرسالة" مع المختصين في الشأن البيئي، فإنها ستلقى بضررها على مناحي الحياة في مدينة رفح الفلسطينية التي يقطنها 300 ألف مواطن، بدءاً بالتأثير على المياه الجوفية والزراعة والتربة مرورا بمئات المنازل المنتشرة على الحدود التي سينالها الضرر الأكبر؛ لأنها قد تتعرض للانهيار، إضافةً لتدمير الطرقات والمؤسسات القريبة من المنطقة.

حال الحاج قشطة لا يختلف كثيرا عن المئات ممن يقطنون المنطقة الحدودية منذ عشرات السنين، الذين لم يخطر ببالهم للحظة أن يكون سبب رحيلهم من المنطقة الشقيق المصري؛ برغم رفضهم الرحيل بسبب الأذى الإسرائيلي لسنوات طويلة قبل الانسحاب عام 2005.

تكوين القناة

القناة المائية التي بدأ الجيش المصري حفرها منذ عدة أشهر على طول الحدود مع غزة، ابتداء من منطقة البحر ومرورا بعدة أحياء ومخيمات فلسطينية، ووصولا إلى معبر كرم أبو سالم، بمسافة تصل إلى 13 كم.

وفي تفصيل إنشاء القناة، توصلت "الرسالة" من خلال المتابعة الميدانية مع الاستعانة بقوات الأمن الوطني المنتشرة على الحدود على مدار ثلاثة أسابيع متتالية إلى أنها تتكون من 5 أجزاء، أولها مضخات كبيرة تشفط مياه البحر، لتضخها عبر غرفة التجميع وإعادة الضخ في الجزء الثالث من المشروع والمتكون من خط أنابيب بقطر 20-24 انش يمتد على بعد 100 متر جنوب الحدود، أما الجزء الرابع فهي الخنادق الكبيرة التي يمتد كل واحد منها لمسافة كيلو في عرض 5-10 أمتار، وعمق 10 أمتار تقريبا.

خبير استراتيجي: القناة عمل مشبوه وفقا لقوانين الأمن القومي

وفي الجزء الخامس يبدو الخطر كامنا، إذ عمل الجيش على حفر آبار في داخل الخنادق، وغلفها بأنابيب بقطر 8-10 انش مثقوبة على طول مساحتها السطحية لحقن التربة بالمياه، بينما ينتهي الانبوب على مسافة 20 إلى 30 مترا في باطن الأرض، بهدف الوصول إلى أعمق نقطة.

فكرة إسرائيلية

وبالرجوع إلى الخلفية التاريخية للمشروع، فيظهر جليا أن فكرة تحويل قطاع غزة إلى جزيرة محاطة بالمياه هو حلم (إسرائيلي) تجدد إبان الانسحاب من قطاع غزة عام 2005 وقد طُرح في ذلك الوقت كأحد الحلول لمنع وصول السلاح الى المقاومة في غزة، حيث كان الاحتلال يخشى من تعاظم قدرات المقاومة بعد الانسحاب.

 أرئيل شارون رئيس حكومة الاحتلال السابق وصاحب القرارات الأقوى في تاريخ دولة الكيان عجز عن تنفيذ هذا المشروع رغم أن حكومته طرحت مناقصات وعطاءات لشركات هندسية لتنفيذ القناة المائية على الحدود المصرية مع قطاع غزة أو ما يعرف بـ"محور فيلادليفا".

وقد أعلن الجيش الاسرائيلي في العام 2004 أنه يعتزم حفر " قناة"‏ على طول الممر بعمق ‏20‏ مترا وعرض ‏60‏ إلى ‏80‏ مترا على طول‏ "ممر فيلادلفيا"،‏ والهدف من الخندق كما قالت (اسرائيل) هو منع الفلسطينيين من حفر انفاق لتهريب الاسلحة والمتفجرات‏.‏ واظهر مخطط نشرته صحيفة هآرتس في ذلك الوقت‏ أن الخندق سيمتد على طول نحو‏ 15‏ كلم من سواحل المتوسط إلى معبر كرم أبو سالم شرقا، بمحاذاة الحدود المصرية‏،‏ على أن يتم ملؤه بمياه البحر‏،‏ ولا يمكن عبور هذه القناة الا من خلال جسور‏.‏

وستشكل كمية المياه الموجودة في القناة ضغطا هائلا على طبقة ما تحت الارض‏، ‏ مما سيجعل أي نفق محفور تحتها مهددا بالانهيار‏، وسيستكمل المشروع بـ "جدار حماية‏"‏ يقام على مسافة من الخندق من الجانب الفلسطيني‏، إلا أنه توقف في عهد الاحتلال الاسرائيلي لأنه يهدد 3000 وحدة سكنية في الجانب الفلسطيني.

التأثير على الأنفاق

العمل في الأنفاق تذبذب طيلة السنوات الماضية، ويقول الجيش المصري إنه يسعى من خلال مشروع القناة إلى القضاء على الأنفاق بشكل نهائي، وبدأ فعليا في ضخ المياه التي وصلت لبعض الأنفاق المهجورة بعد تدمير فتحاته في الجانب المصري وإخلاء المنازل التي تكمن فيها تلك الفتحات ضمن مشروع المنطقة العازلة في رفح المصرية والتي مسحت المنطقة المتاخمة للحدود عن بكرة أبيها.

 

سلطة المياه: لا توجد حلول لمجابهة المياه وننتظر الكارثة

وبحسب الصور التي خرجت من منطقة الأنفاق، فإن المياه غمرت عددا منها بما لا يمكن العمل بها مجددا.

بصعوبة بالغة استطاعت "الرسالة" الالتقاء بأحد أصحاب الأنفاق العاملة على الحدود سعيد محمد -اسم مستعار-، والذي اكتفى بالحديث عن محاولات للتغلب على ضخ المياه من الجانب المصري.

أضرارها مخيفة

الأضرار البيئية اللاحقة بمدينة رفح نتيجة القناة المائية "مخيفة" وفق المهندس مازن البنا نائب رئيس سلطة المياه في غزة، حيث أنها ستصيب الحياة الاقتصادية والزراعية في "مقتل" من خلال ارتفاع ملوحة المياه الجوفية، كما ستؤدي لانهيارات متتالية للتربة والمساكن.

بلدية رفح: آلاف المنازل مهددة بالانهيار خلال السنوات المقبلة

وبحسب النموذج الرياضي الذي أعده المهندس البنا، فإن ملوحة المياه الجوفية سترتفع مع مرور السنوات، بسبب انتشار عنصر الكلورايد بمعدل  400 متر في السنة، وهذا يعني أنه خلال 10 سنوات ستصبح المياه الجوفية في رفح التي تعتبر أكثر مناطق الخزان الجوفي جودةً، بنفس ملوحة مياه البحر، مما سيجعل استخدامها في الزراعة والشرب مستحيلا.

وسينتقل التأثير إلى مئات ابار المياه الجوفية (الزراعية والبلدية) القائمة في كلا الجانبين المصري والفلسطيني؛ بفعل انتشار مياه البحر عبر طبقات التربة والخزان الجوفي، إضافةً لتدهور الحياة الاقتصادية والاجتماعية للكثير من الفلسطينيين والمصريين القاطنين على جانبي الحدود الفلسطينية المصرية بفعل تدهور جودة مياه الخزان الجوفي المستخدمة في الزراعة.

مخالفة للقانون

لم تقف القضية عند حد الأضرار البيئية والاقتصادية بل إن ما تفعله السلطات المصرية مناف للقانون وهو ما أكدته "للرسالة" عدة جهات دولية تواصلت معها ابرزها المنظمة العالمية لحقوق الإنسان والتي تعتبر أكبر هيئة استشارية قانونية في الأمم المتحدة.

سفير المنظمة في الشرق الأوسط علي عقيل خليل أكد أن حفر القناة المائية بين مصر وغزة أمر غير قانوني وغير أخلاقي، كونه يفاقم المعاناة الانسانية في قطاع غزة.

وشدّد عقيل في اتصال هاتفي معه من مقر المنظمة بواشنطن، على أن هذه القناة تمثل جرمًا قانونيًا، يحق من خلاله للفلسطينيين التقدم الى محكمة لاهاي الدولية والتقدم بشكوى قانونية ضد مصر، لما يلحق بهم من ضرر سلبي؛ نتيجة الاستمرار في ضخ مياه البحر.

قانوني: القناة جرم قانوني يستوجب رفع قضية في المحاكم الدولية

وأشار إلى أن مبررات السلطات المصرية لإنشاء هذه القناة غير كافية وغير مقنعة وفق مسوغات القانون الدولي، وينتهك أبسط مبادئ حقوق الانسان، ما يعني أنه لا يقرها أي قانون.

لم تكتفِ "الرسالة" بما سبق، واتجهت للحديث مع المنظمة العربية لحقوق الانسان، التي دعت إلى ضرورة التحرك في المنابر القضائية الدولية، والتقدم بشكوى ضد مصر لحفرها القناة المائية؛ لأنها تتنافى مع أهم أسس القانون الدولي والمعاهدات الدولية، وتستوجب على الفلسطينيين التوجه إلى المحكمة الدولية لمقاضاة الجانب المصري.

وقال أمجد السلفيتي رئيس المنظمة في اتصال مع "الرسالة"، من لندن، إن هذه القناة تشبه الجدار العنصري الذي اقامه الاحتلال؛ لأنه مفروض على الفلسطينيين من طرف أحادي الجانب، في إشارة إلى عدم تنسيق الجهات المصري مع الطرف الفلسطيني في غزة بما أنه المعني بالأمر.

بدوره وصف الخبير في الشؤون الاستراتيجية ياسين سويد القناة بـ "العمل المشبوه" وفقا لقوانين الأمن القومي، إذ من شأنها أن تضع علامات استفهام لمصلحة منْ تنشأ هذه القناة على الحدود مع قطاع غزة الذي يعتبر خط الدفاع الأول عن مصر.

وأشار سويد في اتصال مع "الرسالة" من بيروت، إلى عدم وجود أدنى فائدة لمصر من وراء إنشائها هذه القناة، بينما حذر من أن الأضرار الأمنية والقومية لهذه القناة ستظهر على المدى المتوسط والبعيد، وبناءً عليه يتوجب على النظام الاتجاه الفوري نحو إيقاف المشروع؛ لأن التاريخ سيسجله في سجلات الإضرار بالأمن القومي العربي.

حاول معد التحقيق تكرارا ومرارا التواصل مع الأطراف المصرية الرسمية، إلا أن المحاولات باءت بالفشل؛ خصوصا في هذا الملف لـ"خطورته الأمنية" وفق ما ألمحت به بعض الجهات.

وبعد محاولات عدة تمكن معد التحقيق من الحديث مع أحد رؤساء الأقسام في وزارة البيئة الذي أكد أن المشروع يجري بعيدا عن الوزارات المدنية في الحكومة.

وأوضح المصدر الحكومي في اتصال مع "الرسالة" أن مشروع القناة لا علاقة لوزارته أو وزارة الزراعة أو الري والموارد المائية به، مشككا في أن يكون المشروع قد نوقش في أروقة مجلس الوزراء المصري، في إشارة إلى أن القائم على المشروع وحدات الهندسة التابعة لوزارة الدفاع المصرية.

حاولنا التواصل مع بعض الجهات غير الرسمية للتعقيب على القضية كان من بينها الدكتور عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية المصري السابق وأكد أن القناة المائية تعتبر عدوانا ومؤامرة على الفلسطينيين بغزة.

وقال الأشعل الذي يعمل أستاذا في القانون الدولي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة إن القناة انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وللمواثيق والأعراف الدولية، ويعتبر تطورا سلبيا في التعامل مع القضية الفلسطينية يستوجب المعالجة فورا.

رفح الضحية

ولأن مدينة رفح هي المتضررة بشكل مباشر وأساسي، التقت "الرسالة" رئيس بلديتها صبحي أبو رضوان والذي شدد على أن مدينته في انتظار الكارثة حال ضخ المياه في القناة بشكل مستمر خلال المرحلة المقبلة؛ نظرا لأن نتائج الضخ التجريبي كانت مهولة من انهيارات في التربة والطرق الملاصقة للحدود.

وقال إن ضخ المياه سيعرض مباني المواطنين القريبة من الحدود لخطر الانهيار المفاجئ، بما يشكل خطورة فعلية على حياتهم، مشيرا إلى أن ما جرى خلال الأسابيع الماضية كان عبارة عن ضخ تجريبي عبر الأنابيب لوقت قصير؛ وأدى إلى غرق عدة مناطق على الشريط الحدودي، مشيرا إلى أن ذلك يعتبر عينة صغيرة للكوارث التي ستحدث تباعا في حال بدء الضخ الفعلي.

وقال أبو رضوان إن محافظة رفح ستشهد تغييرات جوهرية في التوزيع السكاني والزراعي بفعل هذا المشروع، مضيفا: "قد نجد أنفسنا مضطرين للتدخل واخلاء السكان وخاصة من المناطق المحاذية للشريط الحدودي للحفاظ على حياتهم فيما سيراقبون انهيار ممتلكاتهم ومنازلهم وأراضيهم الزراعية ".

وأكد أبو رضوان أن المركز الأساسي لشبكات خدمات الصرف الصحي وتصريف مياه الأمطار يقع في نطاق المناطق الحدودية، وهو ما يجعل هذه الخدمات عرضة للانهيار في أي لحظة منذ اللحظة الأولى للبدء الفعلي بتشغيل الخندق المائي.

بقطع الروابط التاريخية

رفح الفلسطينية والمصرية تجمعهما علاقات قرابة ونسب، فالكثير من العائلات تتشابك مع بعضها بعلاقات لا يمكن للحدود والحواجز أن تنهيها، وإن استطاعت فرض التباعد عليهما، وهذا منبع استغراب الشيخ حسين أبو عيادة أحد وجهاء المدينة من إنشاء القناة المائية، وقال: "لا يعقل أن تنشأ قناة مائية بين مدينتين هما في الأصل مدينة واحدة".

وجهاء رفح: كنا ننتظر من مصر قنوات دعم لا خنق

ويضيف الشيخ أبو عيادة: "علاقات النسب والقرابة التي تجمعنا بإخوتنا المصريين من المفترض أن تحرم الأذى على كلا الطرفين، المشروع المصري الجديد مخيب للآمال، فبدلا من أن تنشئ مصر قنوات دعم، أصبحت تقيم قنوات خنق وحصار لغزة".

أما الحاج أبو محمد قشطة والذي زوج ابنتيه لأبناء عمومته في مدينة رفح المصرية، فقد علّق على المشروع بقوله: "كنا نرى بعضنا من فوق اسطح المنازل التي دمرتها القوات المصرية لكن الآن المعبر مغلق، والأنفاق دمرت، واليوم قناة مائية تفصل بيننا، وماذا بعد!؟".

واعتاد السبعيني قشطة خلال السنوات الماضية زيارة بناته في أوقات متفرقة من خلال معبر رفح، ومن ثم أصبح يلجأ للأنفاق رغم خطورتها؛ إلا أن ما يجري حرمه من رؤيتهم منذ فترة طويلة.

وفي تأثير آخر للقناة على الحياة في رفح، تؤدي أعمال حفر إلى تعطيل خطوط الكهرباء المصرية المغذّية لرفح الفلسطينية، حيث جرفت الآليات العاملة في القناة أحد الخطوط بشكل كامل والمسمى "خط فلسطين"، بينما يتعطل الخطان الآخران بشكل شبه يومي.

"الرسالة" بدورها توجهت لحكومة الوفاق للسؤال عن الإجراءات التي تنوي فعلها لإيقاف الكارثة المنتظرة إلا أننا فوجئنا برفض التعقيب على الملف من عدة وزراء فيما عقب مفيد الحساينة بأنه سيناقش المشروع مع الجانب المصري فور عودته من السفر.

وأمام الواقع الموجود وعدم قدرة سلطة المياه على مجابهة الكارثة لضعف الامكانيات لديها وصمت حكومة الوفاق والسلطة الفلسطينية سيبقى 300 آلاف مواطن ومنازلهم في دائرة الترقب والاستهداف.

اخبار ذات صلة