قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: تأملات في الانتفاضة وتداعيات احتمالاتها

بقلم: إبراهيم المدهون

من المبكر الحديث عن انتفاضة ممتدة. إلا أنها موجة ثورية لا أحد يستطيع التنبؤ بانعكاساتها ومداها، وهناك إجماع أنها كسرت حاجز الصمت والجمود في الضفة الغربية، فأرسلت رسائل متعددة للاحتلال والسياسيين والقوى الاقليمية والدولية، أن شعبنا مصر على مواجهة المشروع الصهيوني مهما كلفه من ثمن.

وحتى لو تم احتواء هذه الموجة الثورية المتقدة، فأعتقد أن شيئا ما كُسر لا يمكن جبره إلا بقرارات وخطوات سياسية كبرى، وهذا ما تعجز عنه الأطراف المختلفة في ظل وجود حكومة صهيونية متطرفة، ونظام فلسطيني ضعيف منقسم على ذاته، مما منح المساحة للشباب وعفويتهم لمحاولة تدارك ما يمكن تداركه قبل فوات الأوان، في ظل عجز السلطة وحصار قطاع غزة، فإن هدأت وتيرتها سيظل توترها في القدس بؤرة الاطماع (الإسرائيلية)، إلى أن تنطلق مرة اخرى بتوسع وقوة وشمولية من غير كوابح.

راهن الاحتلال كثيرا على تغيير الجيل الفلسطيني في الضفة الغربية، وحاول إبعاده عن قضيته واغراقه بتوافه الحياة الشخصية. إلا أن اندفاع الشباب العفوي غير الموجه أثبت خسران الرهان وفشل مشروعهم في الضفة الغربية، فإننا اليوم أمام جيل يصنع قدره بيده، وقراره ينبع من رأسه، شباب متمسك بقضيته ومصمم على المضي قدما بطريق الأولين من المناضلين والثائرين، فخيار الثورة والكفاح وتحدي الغطرسة (الإسرائيلية) هو الأساس الاستراتيجي بتركيبة هذا الشاب.

فما يحدث اليوم تحرك عفوي من داخل المجتمعات والأطر الشبابية، حتى أنها لم تتبلور حتى الآن قيادة حقيقية للشارع تتقدم وتدفع بهم، فمن يقودون وينفذون ويخططون هم الشباب ذاتهم دون الحاجة لرموز وتوجيهات وقرارات، ولهذا معظم العمليات فردية من نابع الشخص نفسه، وهذه المسيرات عفوية لا يحركها الا الهم الوطني الداخلي.

كان لابد لمشاركة أهالي غزة برمزية ثورية محدودة، إلا أن الاحتلال برده الواسع والقاسي وارتكابه مجزرة حقيقية ذهب ضحيتها عشرات الشباب بين شهيد ومصاب، يحتم علينا إعادة التفكير حول آليات وطرق مشاركة غزة بطريقتها الخاصة، حيث تمنع حرف البوصلة عن الفعل النضالي في الضفة وتعززه وتشاركه في الوقت نفسه.

فقطاع غزة خاض ثلاث مواجهات مفتوحة، وطوّر من مقاومته وأساليبه، فجعل خصوصية مسلحة قد لا تتوفر بيئتها وفاعليتها في هذه الفترة، لهذا نحتاج لإعادة نظر بطريقة ونوعية مشاركة شباب غزة، وعني أنصح أن تُتخذ غزة كموقع للدعم اللوجستي والإعلامي والمعنوي، وأن تتهيأ وتستعد لمساندة الضفة في حال توسعت المواجهات وأضحت عسكرية شاملة.

لا شك أن هذه الانتفاضة ستوحد الفلسطينيين في حال استمرارها وستفرز قيادات جديدة من وسط المعارك، وستساعد على إعادة بناء المشروع الوطني على أسس نضالية حقيقية ووحدة وجدانية، أما في حال خفوت صوت الانتفاضة فاعتقد اننا سنشهد ارتكاسه لعمليات المصالحة وسيتعزز الانقسام وسنعود للتيه يكلفنا سنوات أخرى من الضياع.

البث المباشر