الحلقة الأولى
الإسقاط الأمني عملية يتم بموجبها وضع المسقَط في حالة من التبعية الكاملة لمن أسقطه من خلال قهره بالترغيب والترهيب، وغالباً ما تبدأ بمراحل سهلة ميسرة حتى يصل المسقَط إلى مرحلة اللاعودة، وظاهرة العملاء هي واحدة من أهم ظواهر الإسقاط الأمني حيث يصبح العميل بعد إسقاطه على جاهزية تامة للتحرك والانقياد بحسب تعليمات أجهزة أمن العدو ليعمل وينشط ضد مصالح شعبه دون أي ضوابط، إلا حرص أجهزة أمن العدو على الاستفادة منه حتى النهاية ثم ما تلبث أن تلقيه إلى مزابل التاريخ دون أن تعبأ بمصيره.
انطلق قادة إسرائيل في صراعهم مع العرب المسلمين من الفرضية القائلة: " إن إسرائيل (أمة) تعيش محنة كيانية "، وأيقنوا أن هذا الصراع سيستمر دون انقطاع؛ مما يهدد أمن إسرائيل وبقاءها، فسعت إسرائيل لامتلاك عناصر القوة بكل أنواعها، لتضمن المحافظة على بقاء كيانها، واستخدمت لذلك كافة الوسائل، وأعطت اهتماماً أكبر للنشاط الاستخباري، فجعلته من أهم ركائز نظريتها الأمنية، وأنشأت لهذا العرض عدداً من أجهزة الأمن؛ كالشاباك والموساد والاستخبارات العسكرية "أمان"، وجندت لها خيرة رجالها ونسائها، وجعلت لها عقيدة أمنية ليس للأخلاق والقيم فيها أي مكان، ورصدت لها ميزانيات طائلة لتضمن استمرارها وتفوقها.
كان تجنيد العملاء وما يزال، أحد أدوات النشاط الاستخباري التي اعتمدتها إسرائيل في صراعها مع العرب، حيث استخدمت كافة السبل لقهر بعض الضعفاء بالترغيب والترهيب، واستغلال حاجاتهم المختلفة، للوصول بهم إلى طريق السقوط الأمني، وجعلهم عملاء يمارسون أنشطة قذرة ضد أبناء شعبهم وأمتهم، دون أي مراعاة لضوابط الأخلاق أو قواعد حقوق الإنسان.
لم تعتمد إسرائيل في تجنيدها للعملاء على فئة معينة من الضعفاء والخونة، بل جندت كل من صادفها منهم واستسهل بيع الوطن بثمن بخس، كما لم تقتصر على جنس أو وطن محدد، بل امتد نشاطها ليشمل الرجال والنساء، والفلسطينيين واللبنانيين وغيرهم من العرب، ووصل الأمر بها إلى حد تجنيد بعض المواطنين من الدول التي تربطها بهم معاهدات وأحلاف سياسية واستراتيجية، فمصلحتها وأمنها مقدم على كل المصالح، حتى وإن كانت الوسائل خبيثة تتنافى مع الأعراف الدولية وسيادة الدول.
تتنوع وسائل أجهزة الأمن الإسرائيلية في تجنيد العملاء، وتختلف باختلاف الظروف والأحوال، وطبائع الأشخاص المستهدفين، وأنواع المعلومات والمهمات المطلوبة، ومع ذلك فإن معظم هذه الأساليب يدور حول استخدام غرائز حب المال والشهوة والسلطان.
حققت إسرائيل كثيراً من النجاح في تجنيد العملاء وتكليفهم بمهام خبيثة ضد شعوبهم وأوطانهم، وأخفقت في كثير من الحالات والممارسات، وارتبط نجاحها وفشلها بمستوى الوازع الديني والوطني الذي يتمتع به المستهدف، وثبت لقادتها أن كل العوامل الأخرى المساعدة على سقوط المستهدف ينتهي مردها إلى الوازع الديني والوطني، مما حذا بأجهزة الأمن الإسرائيلية لرسم خطة واضحة عند محاولتها إسقاط أي هدف، لتتجنب الآثار التي يتركها الوازع الديني والوطني على صلابة الأشخاص وقوة شخصيتهم وثقتهم بأنفسهم، وإلا فإن التراجع عن تنفيذ مهمة الإسقاط هو الخيار الأسلم.
لم تتوان المقاومة الفلسطينية خلال سنوات الاحتلال عن مكافحة ظاهرة السقوط الأمني، وملاحقة العملاء، وقد حققت كثيراً من النجاحات، ومازالت في حاجة لمواصلة جهودها حتى زوال الاحتلال.
نسعى في الحلقات القادمة إلى وضع القارئ الكريم في صورة هذه الظاهرة الخبيثة، ليتعرف على وسائل تجنيد العملاء، والأنشطة التي يكلفون بها، ونقاط الضعف التي تستغلها المخابرات في ابتزاز الهدف وقهره، كما سنتعرف على الوسائل والأدوات التي يمكن من خلالها تعزيز خصائص الإنسان وتقوية جوانب ضعفه، للصمود أمام هذه الظاهرة ومحاربتها.