اخترقت رصاصات جنود الاحتلال الخائفين جسد الفتاة التي لم تتجاوز ربيعها السابع عشر، فأُلقيت فورا على ظهرها تسترها ملابسها بشكلٍ كامل كما كانت تحرص على ذلك في حياتها، يلفها عدد من الجنود الذين يصوبون أسلحتهم نحوها رغم استشهادها.
مشهدٌ يختصر لحظات إعدام مجندة إسرائيلية للفتاة بيان عسيلة (16 عاما) بزعم محاولتها طعنها في مدينة الخليل المحتلة، في حادثة لم تكن الأولى من نوعها، فبيان وغيرها من الشبان قُتلوا بذات الطريقة وبنفس المبرر خلال أيام انتفاضة القدس المندلعة حاليا في الأراضي الفلسطينية.
الصور والكلمات الغاضية التي تداولها ناشطو مواقع التواصل الاجتماعي للفتاة عسيلة، عكست غضبا واسعا من تكرار هذا المشهد خلال أيام قليلة على مرأى ومسمع من العالم أجمع، دون أن تحرك الأمة العربية والإسلامية ساكنا.
ولم يكتف الاحتلال بإراقة دماء الفتاة فحسب، بل سار بجنوده نحو منزل عائلتها القريب من مكان استشهادها كما هي العادة مع كل ذوي شهيد يقتلوه، ليعتدوا على كل ما فيه من بشرٍ وحجر وحتى شجر، فضربوا من فيه ونكلوا بوالدها.
رغم ذلك، توصي غدير القواسمي -والدة بيان- كل من يأتي إليها معزيا بألا يبكي على ابنتها، مكررة القول: "بيان رفعت راسنا وراس كل المقاومة، بنتي شمعة رح تضوي فلسطين، وراح تضل قدوة لأهل فلسطين والأمة الاسلامية".
مثلها كانت إسلام -شقيقة الشهيدة- والتي وقفت بين أفراد عائلتها وتصرخ قائلة: "إلي كل الفخر إني صرت أخت شهيدة، اليهود بيفكروا انو لما يقتلوا حد منا بدم بارد رح نزعل ونبكي، لا بالعكس إحنا رح نعمل عرس وننبسط ونزفها للجنة".
وتقول متوعدةً بكل عفوية: "والله لييجي اليوم اللي يذوقوا فيه العذاب ونحط رجلنا على رقبتهم ويتوسلوا إلنا نسامحهم، والله ليتمنوا الموت بين ايدينا".
نشطاء التواصل الاجتماعي كتبوا أيضا يرثون حال الأمة بعد قتل الفتاة عسيلة وسابقاتها، ومنهم خالد صافي الذي كتب: "#هديل_الهشلمون ثم #إسراء_عابد ثم #بيان_عسيلة، إنهم يستهدفون بناتنا.. فماذا أنتم فاعلون؟"، في حين قال محمد شكري: "#بيان_عسيلة يا شرفنا الملقى على الأرض .. يا شعورنا بعجزنا".
أما "بنت نابلس" فغردت عبر تويتر قائلة: "#بيان_عسيلة .. ذات الـ 16 عشر ربيعاً.. سترتي نفسك في الدنيا .. فسترك الله عند موتك طوبى لكِ الجنة".
نشطاء آخرون نشروا تغريدات الشهيدة عبر حسابها على تويتر، والتي كان آخرها "ان لم تستطيعوا القتال من أجلها فادعوا لها في صلاتكم فهذا يفيد في التحرير.. #القدس_عربيه".
كما كتبت معلقةً على صورة الشهيد إياد العواودة الذي طعن جنديا إسرائيليا بين تجمع للجنود، قائلة: "هنا يقاتل الأسد حتى آخر لحظة عند مسافة الصفر عند تجمع الصهاينة، هنا البطولة هنا الرجولة هنا #فلسطين"
ولطالما تمنت " بيان" الصلاة في الأقصى، فقالت في إحدى تغريداتها: "متى سأعود انا والجميع واليها نعود لأحياء العروبة في مقدساتها المسروقة والمغتصبة من قبل الصهاينة المتغطرسين"، وفي تغريدة منفصلة "في كل مرة اركع بها اتمنى ان يستيقظ الضمير العربي ويهب لإنقاذها وتحريرها من قبضة ابناء صهيون، #القدس_عربيه".
مشهد قتل الفتاة عسيلة، أعاد إلى الذاكرة لقطات إعدام "شهيدة النقاب" الفتاة هديل الهشلمون في مدينة الخليل أيضا قبل نحو الشهر برصاص جندي إسرائيلي أرداها أرضا بعد أن اخترقت جسدها عشر رصاصات أو يزيد، بزعم محاولتها طعنه.
وما بين الهشلمون وعسيلة، تعددت جرائم قتل الشبان الفلسطينيين بشكل متعمد، في إعدامات ميدانية ينفذها دون اكتراث لأي قوانين دولية أو أعراف انسانية.
تلك الاعدامات التي ارتكبها الاحتلال مرات عدة مؤخرا، دعت حركة "حماس" لاتهام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بـ"التستر" عليها وعلى باقي جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني في الضفة والقدس وقطاع غزة.
وقال سامي أبو زهري المتحدث باسم الحركة إن "بان كى مون يتستر على جرائم الإعدام الميدانية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي يوميا ضد الفتيات والشبان والأطفال الفلسطينيين، وإطلاق النار على الشبان والأطفال وتركهم ينزفون بطريقة لا يمكن أن تصدر عن بشر".
واعتبرت الحركة هذا الصمت على جرائم الإعدام والحرب الإسرائيلية، تشجيعا لـ(إسرائيل) وغطاءً سياسيا للاستمرار فيها"، مطالبة الأمم المتحدة وأمينها العام "بتحمل مسؤولياتهم أو الرحيل".