أربع سنوات على صفقة وفاء الأحرار، والذي خرج فيها أكثر من ألف معتقل من سجون الاحتلال معظمهم أصحاب أحكام عالية ومؤبدات، مما اعتبرت من أهم إنجازات المقاومة في العقدين الأخيرين، حيث رفعت الروح المعنوية، ومنحت الأمل لباقي الأسرى والمؤبدات، وضخت في بيئة العمل المقاوم دماء وخبرات جديدة، وأظهرت نجاعة أسلوب الأسر والضغط على الاحتلال ونتيجته الإيجابية مما عزز العمل في هذا الاتجاه، وبالفعل هناك أكثر من ثلاثة جنود إسرائيليين يعتبرون الآن في صفوف المفقودين على رأسهم هدار غولدن وأرون شاؤول، مما ينبئنا بإمكانية تكرار هذه الصفقة مرة أخرى بطريقة أوسع وأكثر فاعلية. وعلى هذا الأساس هناك حربا استخباراتية حقيقة ضارية بين المقاومة والاحتلال لا تقل عن الحرب الميدانية والعسكرية، خاصة وأن جميع المهمات العسكرية للمقاومة تحتاج إلى بنية استخبارية قوية، ومن المعروف أن المقاومة لديها تجربة سابقة استطاعت من خلالها الاحتفاظ بالجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط لمدة خمسة أعوام منذ أسره عام 2006م ولم يحصل الاحتلال خلالها على أي معلومة إلا بثمن، توجت بصفقة تبادل أسرى. ومن الملاحظ انعدام التصريحات الرسمية من قبل المقاومة في شأن المفقودين الإسرائيليين، فيمنع تداول قضية أسرى الاحتلال، وهذا ذكاء يحسب للقسام وأعتقد اكتسبه من تجربته في عملية وإدارة أسر شاليط، بالإضافة لتمكُن القسام وازدياد ثقته هذه المرة، كما أن المقاومة تشن حربا نفسية عنوانها "الصمت البناء" فلا تتكلم ولا تتحدث أو تصرح، وترفض فتح الموضوع ابتداء مهما كانت الضغوطات إلا بالإفراج عمن اعتقلت ممن خرجوا بالصفقة، وتعتبر أن عنصر الزمن لصالحها وليس العكس، فالملف طويل ويحتاج لصبر وتأنٍ، بالإضافة لما تقوم به بعض الأذرع المساندة من حرب إعلامية كالملصقات وبعض الأناشيد وفيديو الرسوم كــ "صيد البط"، والسجن الرمزي الذي أقامته الكتلة الإسلامية وسط غزة، وبعض المجسمات والإشارات التي تهدف للضغط على العقل الإسرائيلي وتذكيره بما يفتقد. فالمقاومة تثق أنها تمتلك أوراق قوة إن استطاع الاحتلال تجاهلها في الوقت الحالي لن يصبر على الاستمرار والتمادي في التجاهل مستقبلا، فمن المعلوم وجود ضغوطات من جهاز الاستخبارات الإسرائيلي على أهالي المفقودين كي لا يثيروا القضية إعلاميا، ويتم تصبيرهم من خلال وعود بإعادتهم وذلك خوفا من إثارة القضية من قبل أهالي المفقودين الأمر الذي سيسرع في الصفقة القادمة. لا شك أن هذا ملف المفقودين حساس ومعقد وفيه تفاصيل غاية في الخطورة، ولهذا لا تسمح المقاومة لأحد بالاقتراب منه، وتدرك حاجته لاستراتيجية النفس الطويل والتصبر، فإن أي تغيير سياسي أو استخباراتي لدى الاحتلال سيفتح هذا الملف على مصراعيه، وسيجد الشعب الفلسطيني نفسه أمام استحقاقات وانجازات جديدة، وشعبنا مستعد للصبر على تداعيات أسر الجنود ودفع الثمن الغالي في سبيل حرية أبنائه من السجون الاسرائيلية.