قائمة الموقع

"المنشطات" تتسلل لأندية كمال الأجسام في غزة دون رقابة

2015-10-27T10:10:16+02:00
صورة
تحقيق-محمد العرابيد

"نتائج التحاليل التي أجريتها تشير إلى أن نسبة الخصوبة عندك صفر" هذه الكلمات تلقاها الشاب خليل كرصاصة قاتلة. تمالك نفسه بعد أن بدت علامات الحزن واضحة على وجهه.

صاحب الجسم الطويل والعضلات البارزة بدأ بطرح أسئلة كثيرة على الصيدلي علها تساعده في حل ما ألم به.

الحادثة السباقة عايشها مراسل "الرسالة نت" في إحدى الصيدليات في قطاع غزة للشاب خليل (اسم مستعار) الأمر الذي دفعه للسؤال عن الأسباب التي أوصلت الشباب لهذه المرحلة، فتفاجأنا أن السبب وراء حالته هو تناول الأدوية المنشطة التي تساعد في بناء العضلات بعد التحاقه بأحد أندية كمال الاجسام.

خطورة الأدوية المنشطة الذي يتناولها الرياضيين داخل أندية كمال الاجسام على الجسم، دفع الـ "الرسالة" للبحث عن هذه الأدوية وانواعها، وفرض العديد من التساؤلات عن مدى انتشارها ودور الجهات المعنية في الرقابة عليها.

تسبب العقم وتليف الكبد

وتعتبر المنشطات الرياضية مواد يتم تعاطيها لتحسين الأداء الرياضي مثل زيادة حجم العضلات وقوتها وقدرة التحمل، وتعتبر مواد غير قانونية، عادة ما يعاقب متعاطوها بالاستبعاد من البطولات الرياضية، كما أنها تحمل مخاطر صحية كبيرة على الجسم قد تصل بمتناولها إلى الموت.

كما تشكل المنشطات الرياضية خطرا على الشباب الذين يتعاطونها للحصول على أجسام جميلة وعضلات مفتولة، ولكن ضررها يمكن أن يكون ملازما لمتناولها.

الشاب محسن (اسم مستعار) أحد ضحايا تلك الأدوية عانى لشهور عدة من أمراض سببتها له تلك الأدوية بعد أن تناولها بشكل مكثف.

وقال محسن "كنت أتجول في شوارع الحي وأرتدي قميصا ضيقا لأتباهى بجسمي وبروز عضلاتي بعد أن التحقت في نادي كمال الأجسام لشهرين"، موضحاً أن أحد الشباب عرض عليه تناول بعض المنشطات التي تساعد في بناء جسمه سريعاً.

وتابع الشاب الذي يبلغ من العمر (23 عاما): "في أول الامر تخوفت من تناولها، لكن بعد أن طمأنني الشاب تناولت بعض حبوب الفيتامينات، ومن ثم لجأت إلى الحقن". 

وأضاف " فعلاً برزت عضلات جسمي سريعا خلال فترة قصيرة بفعل تناول هذه المنشطات".

لكن بعد أشهر حلت الكارثة على الشاب فور تركه لتلك الأدوية حيث بدأت تظهر على جسمه علامات ضمور العضلات، فسارع للجوء إلى طبيب مختص.

وأوضح محسن أنه بعد إجراء الفحوصات الطبية اللازمة تبين من خلالها أن عضلات جسمه أصيبت بالضمور بعد شهور من تركه للمنشطات التي تناولها في نادي كمال الاجسام".

ويخضع محسن لعلاج مكثف من أجل أن يتخلص جسمه من الأدوية والمنشطات التي كان يتناولها.

وللحديث عن خطورة الأدوية المنشطة لجأت "الرسالة نت" إلى الدكتور ناصر العطار أخصائي باطنة الذي حذر من تناول هذه الأدوية لخطورتها على جسم المتعاطي.

وقال إن الخطر الذي يلحق بمن يتعاطى الهرمونات "كبير جداً" وتسبب خللا في الدورة الهرمونية المغلقة مما يسبب مشاكل كبيرة لجسم متعاطيها.

وأضاف العطار: "محاولة زيادة أو إنقاص هرمونات الجسم مثله مثل "اللعب بالمجهول"، فانت لا تعرف النتيجة، فلا يوجد أي حالة تناولت الهرمونات الا وأصيبت بمرض خطير".

وأضاف: "أحد تلك الهرمونات هو هرمون النمو المسؤول عن الصفات الذكورية، وإنتاج الحيوانات المنوية، فعندما يأخذ اللاعب جرعة منه يتعطل إفراز الغدة النخامية".

وبيّن العطار أن تناول هذه المنشطات تؤدي إلى تهيج في الغدة الدرقية أو الغدة القذرية وتصل إلى أن تؤثر على "الجهاز الجنسي".

ولفت إلى أن المنشطات تعمل على النمو في الشكل الخارجي للجسـم في بداية الأمر يعمل على تكبير حجم العضلات بسرعة كبيرة وبضخامةٍ أكبر ولكن إذا ما انقطع اللاعب عن تناول الهرمون فإن جسمه يبدأ بالعودة إلى ما كان قبل الهرمون، ويبدأ التأثير السلبي في أجهزة الجسم الداخلية بالظهور إضافة الى تشقق الجلد وارتخائه.

وأشار العطار إلى أن أخذ هذه الهرمونات "الصناعية في معظمها" والتي تُنتج أصلاً في الغدد الصماء إلى الدم مباشرة، يجعل الجسم يعتمد على مصدرها الخارجي ويوقف إنتاجها في الغدد وهو ما يعطل عملها ويجعلها دون فائدة في الجسم وبالتالي يعمل على إتلافها وقد تسبب تعطلاً في الكلى نتيجة تكدس المواد الكيميائية عن تلك الهرمونات فيها.

وأكد الدكتور العطار أن تناول هذه المنشطات باستمرار يصيب جسم الرياضي بأمراض عدة أبرزها تليف في الكبد وفشل في الكلى إضافة إلى عدم القدرة على الانجاب وتلف في عضلات الجسم.

وعن طبيعة المواد المنتشرة يشرح الصيدلي أيمن الكومي قائلا: "المنشطات الرياضية هي هرمونات ومواد تنتج في الجسم طبيعيا وتقوم بتحفيز بناء أنسجته وتطورها، ولكن جسم المتعاطين يتزود بها من مصدر خارجي، عبر الحقن مثلا، وبتركيز مرتفع جدا ظنا منهم أنهم يحفزون بناء عضلاتهم".

وأشار الكومي إلى أن تلك المنشطات مهربة ولا تباع بشكل رسمي في الصيدليات.

وبحسب الكومي فإن العديد من الحالات أصيب فيها الرياضيون بالجلطات القلبية والدماغية، نتيجة استخدامهم المزمن للأدوية مولدة الذكورة البنائية.

يمنع تناولها داخل الأندية

"الرسالة نت" توجهت لطارق مصطفى أحد مدربي كمال الأجسام في نادي القمة، والذي أكد أن المنشطات خطيرة على جسم الرياضي في حال تناولها بكميات كبيرة.

مدرب كمال أجسام: نمنع الرياضيين من تناول "المنشطات" داخل النادي لخطورتها

وأوضح مصطفى أن الأدوية المنشطة تسرع من بناء جسم الرياضي التي يتناولها بكثرة بعكس الرياضي الذي يعتمد على برنامج غدائي طبيعي اضافة للتمارين.

وقال "لا أسمح لأي شخص يتناول هذه المنشطات أن يدخل النادي، كما أمنع بعض من يتاجر بها من دخول النادي، لأنها تشكل خطرا كبيرا على جسم الرياضي الذي يتناولها"، متابعًا "وحتى لا أتحمل مسؤولية ما ينتج عنها من أمراض خطيرة".

ونصح المدرب الرياضيين والملتحقين بأندية كمال الأجسام البعد عن الأدوية المنشطة لما لها من خطورة على حياتهم، داعيا إلى أن يستخدم الرياضي برنامجا غذائيا ليستطيع أن يبني جسمه بشكل أفضل بعيدًا عن المنشطات.

ولكن يبدو أن تلك النصائح لم تجد طريقها لدى الشاب أحمد سعيد "اسم مستعار" الذي عانى خلال الشهور الماضية من التنقل بين أطباء الجلد والمسالك البولية، حتى يستطيع أن يشفى من الأمراض التي سببتها الأدوية المنشطة التي تناولها خلال التحاقه بنادي كمال الأجسام.

وقال الشاب الذي يبلغ من العمر (30 عاماً) "قبل أربعة أعوام التحقت في نادي كمال الأجسام، تابعني خلال المرحلة الأولى المدرب وقدم لي برنامجا غذائيا، وبالفعل تحسن جسمي قليلا ولكن ليس بالشكل الذي اريده".

وتابع: "لجأت لتناول المنشطات عن طريق الحقن في الأسبوع مرة واحدة، وبعد فترة قصيرة جدا برزت عضلات جسمي كأني أمارس رياضة كمال الاجسام لسنوات".

وأوضح أنه بعد ثلاث سنوات بدأت آثار المنشطات تظهر على جسده. في البداية لم يكن يعلم أن سبب مرضه هو الأدوية التي تناولها إلا بعدما أجرى الفحوصات التي أشرف عليها طبيب مختص، مبيناً أن حب الشباب ظهر بكثافة على وجهه في حين بدأ يعاني من الصلع وضمور في العضلات.

لا يوجد قانون لمراقة الأندية

ومن المعروف أن اللجنة الأولمبية الدولية قد حرّمت استخدام الرياضيين لهذه الأدوية المنشطة، وفي حال ضبط أي لاعب يتناول هذه الأدوية، يُحرم من الاشتراك في المنافسات الرياضية الدولية.

لذلك طرقت "الرسالة نت" باب وزارة الرياضة لتستفسر عن أسباب انتشار المنشطات دون وجود رادع لها، نبيل عواجة مدير الأندية في وزارة الشباب والرياضة بغزة، قال" قانون مراقبة أندية كمال الأجسام في القطاع غير مطبق نهائياً".

"الشباب والرياضة": قانون مراقبة أندية كمال الأجسام في غزة غير مطبق

وأرجع عواجة سبب ذلك إلى عدم وجود طاقم فني رياضي من الوزارة لفحص الرياضيين والأدوية التي يتناولونها، مشيرا إلى أن وزارته ستعمل على بناء عيادة مخصصة لفحص الادوية والرياضيين في مخطط المدينة الرياضية التي تبنته قطر.

وبيَّن أنه لا توجد لوائح وقوانين تضبط عمل النوادي في غزة، لافتًا إلى أن هناك بعض النوادي تفتح أبوابها دون أن تمتلك ترخيصا من بلدية غزة ووزارة الرياضة، حتى المدرب لا يتملك شهادة تؤهله فتح ناد.

وأشار عواجة إلى أنه في حال علمت الوزارة بوجود أندية رياضية تبيع المنشطات فإنه يتم اغلاقها وتقديم أصحابها للنيابة. على حد قوله.

معد التحقيق حمل الملف لوزارة الصحة لأنها هي الجهة المخولة بالرقابة على متابعة الأدوية والمستحضرات الصحية والتقت الدكتور طه الشنطي مدير دائرة الرقابة والتفتيش في وحدة الاجازة والتراخيص، الذي قال "إن اختصاصهم ينحصر في متابعة المراكز الصحية مثل مراكز البصريات والصيدليات وغيرها"، مؤكداً أن الاندية الرياضية اختصاص وزارة الرياضة.

الصحة: "الرياضة" تتحمل مسؤولية عدم وجود طواقم طبية لديها

"الرسالة نت" لاحظت خلال التحقيق غياب التنسيق بين كل من وزارة الصحة والرياضة في متابعة الأندية والأدوية المنشطة وهو الأمر الذي أكده مصدر موثوق في وزارة الصحة، مبينا عدم وجود طاقم طبي مختص في متابعة الشؤون الرياضية كما باقي الوزارات.

وزارة الرياضة اعتبرت أن "الرسالة نت" دقت ناقوس الخطر حول موضوع مهم ومنتشر في غزة، لذا علق عواجة، إنه تم تشكيل لجنة برئاسة وزارة الحكم المحلي ووزارة الصحة، والدفاع المدني في شهر أغسطس هذا العام، لمراقبة أندية كمال الاجسام والملاعب المعشبة.

ورغم مرور أكثر من شهرين على تشكيل اللجنة، إلا أنها لم تباشر عملها حتى تاريخ نشر التحقيق.

"الرسالة نت" لاحظت غياب الاحصائيات الرسمية التي تتحدث عن وجود إحصائيات رسمية لعدد الأندية، حسب ما أكد عواجة، لدى وزارة الرياضة بعدد أندية كمال الاجسام في غزة، قائلا: "هناك انتشار عشوائي للمراكز".

يشار إلى أن نوادي كمال الاجسام في غزة تحصل ترخيصها من وزارة الحكم المحلي والبلدية لأنها تعد مشاريع "استثمارية" خاصة للمواطنين.

وخلال جولة أجرتها "الرسالة نت" على مراكز كمال الاجسام، لمعرفة ما يدور داخل أروقتها، وكيف يتم بيع تلك الأدوية المنشطة للرياضيين، وما هي الآلية المتبعة.

علمنا من أصحابها أن الجهات الحكومية لم تجر أي زيارات ميدانية على أندية كمال الأجسام منذ افتتحاها، كما أن اللافت في القصة أن الادوية المنشطة تباع داخل اندية كمال الأجسام كالمواد المخدرة، يصعب على أي شاب الحصول عليها من التجار كونها مادة خطيرة ويحاكم من يحوزها.

ويحصل الرياضيون على هذه المنشطات عن طريق شرائها من صاحب النادي الذي يستغل بعض الرياضيين الناشئين بهدف كسب المال، كون أن متعاطي هذه المواد يدمن عليها ولا يستطع أن يتركها إلا بوجود طبيب، وتصل تكلفة العلاج للشخص الواحد في الاسبوع إلى أكثر من 300 شيكل.

ولكن استعمال المنشطات الهرمونية لهذه الأغراض له العديد من الآثار العكسية على صحة المتعاطي وحالته الذهنية، ويشمل ذلك التشوهات الفسيولوجية وزيادة العدوانية.

ونظرا للمخاطر الصحية، والميزة غير العادلة التي تمنحها المنشطات الهرمونية في المنافسات الرياضية، وألعاب القوى، قامت اللجنة الأوليمبية الدولية بحظرها في عام 1975.

ويحظر أيضا الحصول على المنشطات الهرمونية في بعض البلدان دون حاجة طبية، أو دون وصفة طبية، على الرغم من أن ذلك ليس بصورة مطلقة.

وتشير دراسة منشورة في موقع الصحة العالمي إلى أن خطورة المنشطات على اللاعب قد تصل إلى حد الوفاة حيث استعمال المنشط يصل باللاعب إلى مرحلة من الإجهاد الفسيولوجي. واللاعب الذي يعتاد على تناول الحبوب المنشطة نجده يأخذ في كل مرة نسبة كبيرة من الأولى حتى تصل إلى درجـة التسمم.

وفي ظل المخاطر التي تصل حد الوفاة يقع على عاتق الجهات المعنية تفعيل الرقابة على الأندية الرياضية والأدوية المهربة لتجنيب الشباب مخاطر لا تحمد عقباها.

اخبار ذات صلة