رسمت مدينة الخليل ظهر السبت الماضي خارطة الوطن التي نحب أن نراه عليها والتي افتقدناها منذ سنوات طويلة؛ وذلك خلال الموكب المهيب لعرس الشهداء الخمسة والتي كانت جثامينهم محتجزة لدى الاحتلال الصهيوني بسادية ليست غريبة على عقليته العنصرية الوقحة التي تتحدث عن يهود وصهاينة بنفسها دون أي تحليل أو توصيف.
كانت الخليل في تلك التظاهرة عنوان الوطن وصورته المشرقة، فقد رسمت هذه المدينة الصامدة المقاتلة الحرة بكل أهلها لوحة مبدعة ذات فسيفساء لم يشهد مثلها العالم اجمع عربه وعجمه في ظل أوضاع وظروف لا مثيل لها في أي مكان في هذا العالم.
الخليل التي لاقت على أيدي الاحتلال الصهيوني المجازر والقتل والتقسيم والاستيلاء على مساجد وحارات وأسواق من قبل المستوطنين الذين يمارسون عربدتهم ليل نهار دون أن يردعهم أحد هي اليوم تتصدر مشهد الانتفاضة وتسجل اغلب عمليات الطعن ضد المستوطنين وجنود الاحتلال ورسم أبطالها صور العز والفخار التي أكدت أن الخليل عصية على التسليم أو الاستسلام، ليس ذلك فحسب؛ بل شهداء الخليل كانوا في المقدمة عددا ونوعا مثلهم مثل القدس وغزة وبقية الضفة الغربية وفلسطين المحتلة منذ عام 48.
ولازالت الخليل تضرب المثل وترسم الصورة التي يجب أن يكون الجميل مثلها حتى تستمر الانتفاضة وتشعلها نارا تحت أقدام الاحتلال وحتى تكون الخليل إلى جانب شقيقاتها في الوطن المحتل من يدق أول مسمار في نعش الاحتلال الذي اقترب زواله.
الخليل التي كسرت عنجهية الاحتلال وأجبرته على التراجع عن قرارات أصدرها تقضي بعدم تسليم جثامين الشهداء واحتجازها لديه بما قامت به من حراك شعبي كان السبب الرئيس وراء تراجع الاحتلال وقيامه بإطلاق سراح الشهداء وتسليمهم تحت ضغط الجماهير المنتفضة، هذا الحراك الشعبي الجماهيري الجامع لكل أطياف الشعب الفلسطيني والذي أتى أٌكله بالإفراج عن عدد من الشهداء وفي انتظار الإفراج عن البقية من الشهداء؛ وعليه المطلوب هو استمرار الحراك الضاغط على الاحتلال وإرغامه على الإفراج عن الجثامين دون شروط.
قوات الاحتلال الصهيوني لم يرق لها أن يرى الخليل تخرج عن بكرة أبيها وهي تستقبل جثامين الشهداء وتشيعهم وتواريهم الثرى، فاشتعل غيظا وتوقف عن الإفراج عن البقية الباقية مشترطا أن يسلموا ويدفنوا ليلا حتى لا يرى هذا التضامن وهذه التظاهرة الوطنية والرافعة للهمم والدافعة للمواجهة والمحفزة على الاستشهاد، وهو ما يرفضه الفلسطينيون ويصرون على التسليم دون شروط، وهذا يتطلب مزيدا من الضغط حتى يرضخ الاحتلال ويسلم كل الجثامين مرغما وبلا شروط.
ما حدث في الخليل هو رسالة إلى الجميع من قوى وأحزاب وفصائل وسلطة تؤكد على أن ما تصنعه وحدة الصف لا يمكن لأحد أن يصنعه وهذه الرسالة على الجميع أن يلتقطها وان يعمل جاهدا على الإسراع بالوحدة ونبذ الخلاف والتوحد خلف ما يطلبه الشعب الفلسطيني من خلال دعم هذه الانتفاضة قولا وعملا وعدم الاكتفاء بالتصريحات الإعلامية دون أن يكون لها أثر على ارض الواقع.