بدأت انتفاضة القدس الثالثة بمظهرها الشعبي المعروف بالاحتجاجات الشعبية للشبان والشابات الفلسطينيين والفلسطينيات رداً على انتهاكات الاحتلال واقتحاماته المتكررة بحق المسجد الأقصى ومحاولاته التقسيم الزماني والمكاني له ، وضد التوسع الاستيطاني والتمييز العنصري ومصادرة آلاف الدونمات من الأراضي في الضفة الغربية والقدس ، ناهيك عن القتل والحرق الممنهج لأبنائنا وبناتنا على أيد المستوطنين.
بدأت الانتفاضة تتدحرج بأشكالها وأساليبها المختلفة ووصلت للمواجهة المباشرة وسقوط عشرات الشهداء ، فبدأت بالحجر ثم " الزجاجات الحارقة" ثم الطعن بالسكاكين وصولاً للدهس ، إلى أن دخلت أول أمس لاستخدام أسلوب القنص وهو اسلوب قديم جديد على يد "قناص الخليل" ذاك الشبح والكابوس الذي طارد الاحتلال ومستوطنيه قبل عامين ، وعاد من جديد ليقض مضاجعهم ويصيبهم في مقتل بدقته وفنه وذكائه.
ما حدث في مدينة الخليل من قنص جنديين صهيونيين وحسب ما أفادت به المصادر الإعلامية أن "قناص الخليل" عاد وطلّ من جديد بعملية نوعية ، في ذات المكان "المسجد الابراهيمي" إلا أن عمليته هذه المرة طالت جنديين اسرائيليين، أحدهم وصفت جراحه بالحرجة جداً ، وقيل فيما بعد أنه قتل.
عمليتا القنص الأخيرتين تسجل تطوراً نوعياً في انتفاضة القدس ، وأعادت ملف قناص الخليل الى المشهد من جديد، والتي كان آخر ما قيل عن القناص كما جاء في تقرير سابق لموقع "والاه" العبري، إن منفذ عمليات القنص يتمتع بحرفية عالية جداً وبرودة اعصاب، حيث انه لم يتمّ العثور على الرصاصة في عملية قنص الجندي الإسرائيلي "جال كوبي" في نقطة الحراسة بالقرب من الحرم الإبراهيمي في الخليل عام 2013، ويعني هذا أن نوع السلاح لم يستطع الشاباك تحديده بعد، ولا يزال لغز العملية قائماً ، ويجدد بذلك هستيريا حقيقية لدى أجهزة الشاباك الصهيونية.
ما حدث يعتبر تطور دراماتيكي نوعي في انتفاضة القدس مع دخول شهرها الثاني ، ويثبت أن عمليات المقاومة الفلسطينية الأخيرة في القدس ونابلس والخليل تزيد من جذوة الانتفاضة اشتعالا وقوة ، وكلما حاول الاحتلال أن يطفئ لهيبها يخرج لهم الأسود من عرينهم كالشهيد مهند الحلبي وفضل القواسمي وفادي علون وغيرهم من الشهداء وصولاً لقناص الخليل ليوقظوها من جديد الذي ما زال مجهولاً حتى اللحظة.
مدينة الخليل ومن جديد خطفت الأضواء وتصدرت المشهد كعنصر كعاصمة للمقاومة في الضفة الغربية المحتلة ، بعدما تصدرته مدينة القدس على مدار الشهر الأول من الانتفاضة، تارة بالطعن وتارة بالدهس واليوم الخليل هي من تتصدر المشهد بشكل ذكي ومتطور ودراماتيكي تجاوز الحجر والسكين والدهس بالسيارات ووصل هذا التطور إلى القنص والاستهداف .
انتفاضة القدس اليوم حققت هدفها ولا أحد يعرف كيف ستنتهي، واستطاعت أن تعيد القضية الفلسطينية اعتبارها بعد أن ضيعتها مفاوضات التسوية التي لم تجلب لشعبنا إلا الويلات، ولن تتوقف قبل تحقيق أهدافها المتمثلة بخروج الاحتلال من كافة الأراضي التي احتلها بما فيها القدس والمسجد الأقصى حراً ، كما للإنسان الفلسطيني الحق في العيش فوق أرضه سيداً حراً .
شعبنا اليوم بعد عملية القنص بالخليل على أعتاب مرحلة جديدة من الفعل المقاوم ، وبشائره واضحة ومتمثلة في عمليات الطعن والقنص التي أرعبت وما زالت ترعب أمن الصهاينة بل وأربكت كل حساباتهم التي أوهمت بأن الانتفاضة انتهت وبدأت تهدأ ، فنحن أمام جيل مؤمن عنيد لا يعطي الدنية في دينه ثابت على الحق لا يتزحزح ويعرف هدفه ويمضي صوبه دون تردد.
انتفاضة القدس في تطور نوعي دراماتيكي جرئ ، وهذا التطور سيمتد لمناطق أخرى مع مرور الأيام وأكبر دليل ما حدث بنابلس وبيت لحم ، وقد يأخذ أعمالا أكثر تطورا وجرأة كون الشعب الفلسطيني المنتفض يخطو للأمام انطلاقا من دين وعقيدة ووطنية ووعي وعقل أن لا مكان لهذا المحتل على أرضنا .
كاتب ومحلل سياسي-قطاع غزة