قائمة الموقع

قيادي في الجهاد يروي "رحلة الموت" في السجون المصرية

2010-05-08T09:45:00+03:00

خان يونس (فلسطين) – وكالات – الرسالة نت

 

كانت نظراته الثاقبة التي انبثقت مع وميض من عينيه الحمراوتان الملتهبتان وشعره "المنفوش" وأظافره الطويلة تخبر بكثير من الألم والاضطراب يُذكِّر بقصة أصحاب الكهف، وانعقد لسانه عاجزا عن وصف 51 ليلة قضاها في سجن "الجهاز" الذي يديره جهاز مباحث أمن الدولة المصري، واختصر حديثه بالقول: "لقد رأيت ما كنت أسمعه عن "غوانتنامو العرب" وأبو غريب واقعا في السجون المصرية".

 

ولم يستطع القيادي في حركة الجهاد الإسلامي درويش الغرابلي وصف ما أسماها "رحلة الموت" التي استمرت 51 يوما في السجون المصرية بتفاصيلها الدقيقة، وقال: "إن كل يوم كان يحمل مأساة تتجدد، ولم أكن أتوقع في يوم من الأيام أن أقع مطرقة عربية تجلد ظهري بكل أنواع التعذيب الوحشي".

 

وأفرجت السلطات المصرية يوم الخميس (6/5) عن ستة من نشطاء وكوادر الجهاد الإسلامي الذين اعتقلتهم قبل شهرين بينما كانوا عائدين إلى غزة من رحلة في خارج البلاد."نزلنا إلى مطار القاهرة، كُبلت الأيادي واستقلوا بنا سيارة عسكرية من المطار وقالوا لنا - إنكم متوجهون إلى معبر رفح - ، مضت ساعة ونصف الساعة في السيارة، وإذا بنا في مبنى ضخم، أنزلونا إلى الطابق الأرضي، بدأنا نسمع الصراخ والعويل، أدركنا أننا في أحد المسالخ"، على حد وصفه.

 

ويضيف الغرابلي لـ "قدس برس": "كبلوا أيادينا وشدوا العصبة –رباط من قماش- بقوة على أعيننا، فقلت للضابط "خففها قليلا" فشدها أكثر، وقال لي: "اسكت يا ابن الـ..."، وكانت أول شتيمة من نوعها أسمعها في حياتي، ثم لكمني أربع لكمات قوية على وجهي وصدري، وأمرني وزملائي بالتعري الكامل وبدأت عملية الصعق بالكهرباء".

 

كانت هذه البداية، وما بعدها أشد، حيث نادى الضابط على أحد الجنود بإحضار الكلاب، وألقونا بعدها في الزنازين، حيث "لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر"، حسب القيادي الغرابلي، الذي بدت اللكمات ظاهرة في رقبته وظهره وأنفه وأذنيه، وأنحاء جسده المختلفة.

 

وتابع "منذ اليوم الأول استلم كل أسير رقمه في هذه الزنازين العربية الضيقة، المكان مظلم قاتم، والحشرات ألوان وأنواع، والرائحة أنتن من النتنة، وبدأنا نتعايش يوميا مع الشبح والتعذيب، ووجبات يومية متتالية من التحقيق القاسي".

 

كان السجناء الستة يستدعون للتحقيق ساعتين بعد الظهر وثلاث ساعات في المساء بشكل يومي لمدة 20 يوما، عند كل سؤال صعقة بالكهرباء، غير اللكم والضرب والشد والهز، وحاول المحققون انتزاع الاعترافات منهم بهذه القوة والوحشية، التي قال الغرابلي "إنه لم يسمع مثلها في قصص الخيال".

 

ويؤكد القيادي في حركة الجهاد الإسلامي أن المحققين انهالوا على السجناء الستة بالأسئلة الأمنية والسياسية المكثفة والخطيرة، وقال: "كانوا يطرحون من الأسئلة ما يشير بأنهم مرتبطون بالكامل مع أجهزة المخابرات الإسرائيلية والأمريكية"، مؤكدا أن لديه معلومات موثقة أن أجهزة الحاسوب الموجودة في السجون المصرية مرتبطة بشبكة داخلية مع مخابرات دول أربعة هي الأردن والسعودية وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.

 

وأوضح أن المحققين سألوه وزملاءه الخمسة عن تحركات الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان عبد الله شلّح ورقم ولون سيارته، وطلبوا معلومات عن قيادات سياسية وعسكرية من الحركة، وأماكن تواجدهم، وأماكن بيوتهم، ومرافقيهم وأماكن سكناهم، وأماكن تصنيع وتخزين الصواريخ والمعدات العسكرية في غزة.

 

 

كما تطرق المحققون بالأسئلة عن نقاط رباط المجاهدين وتجمعاتهم، والهيكلية العسكرية للجناح العسكري للحركة في الداخل والخارج، والقيادات الميدانية وعدد أفراد التنظيم، وتاريخ الانضمام للحركة والتكليفات التي كلفته بها الحركة، ورأيه في الحسم العسكري وبناء الجدار الفولاذي وغيرها.

 

الغرابلي، الذي ابلغه المحققون بمنعه من دخول مصر أو السفر عبرها إلى يوم القيامة، أكد أن الضباط المصريين سألوه عن مكان تواجد الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط ورأيه في عملية أسره، وقال "بدءوا بكيل السباب والشتائم على حركة "حماس" لأسرها هذا الجندي وقالوا إنها قتلت الشعب ودمرت الناس بسببه".

 

وتساءل عن مؤسسات حقوق الإنسان العربية والدولية والمصرية والفلسطينية، وقال: "أين كانت طيلة 51 يوما لم ترفع العصبة عن أعيننا ولم نر النور قط ولم نعرف الليل من النهار، أين هي من قضية ستة معتقلين لم يكونوا يعرفوا شيئا عن الدنيا، ولم يكن أحد في الخارج يعرف شيئا عنهم، ويضيف "كنا طيلة هذه الفترة خارج العالم، لم نكن نعلم ما جرى لأهلنا أو بلدنا أو شعبنا، خرجنا والحال غير الحال، وجدت من أقاربي من فارق الحياة، ومنهم من أصيب ومنهم من كبر، ومنهم من رحل".

 

وسمح السجانون للمعتقلين الفلسطينيين الستة بالاستحمام بالماء البارد بعد 35 يوما من الاعتقال، حيث تحولت ملابسهم البيضاء إلى اللون الأسود المخلوط بالأحمر حيث دم الحشرات الضارة والسامة التي نهشت أجسادهم، وأشار الغرابلي إلى أنه وزملاءه كانوا يقضون 12 ساعة واقفين مشبوحين دون رحمة، ومن ثم يرتاحوا على بطانية رقيقة تكسر العظم، كما يقول.

 

ويتابع: "كنا نجلس ساعات على البطانية، ومنها إلى الحمام، ثم إلى البطانية، ثم إلى التحقيق، ثم إلى البطانية، ثم إلى الشبح، وهكذا 51 يوما متتالية، لم يكن مسموح لنا بأن نلبس أي شيء في أرجلنا عند الذهاب للحمام أو أن نفك العصبة عن أعيننا، كنا نأكل معصوبين، وننام معصوبين، ونقضي حاجتنا ونحن معصوبين، ويحققون معنا ونحن معصوبين، وهكذا".

 

وبين القيادي الغرابلي أن الأيام الـ 23 الأولى من حبسه هو وزملاءه قضوها دون نوم، نتيجة التعذيب والشبح والانبطاح الخلفي وصراخ المساجين والتحقيق المتواصل، والإهانات اللفظية النابية التي كانوا يقذفون من خلالها أمهاتنا البريئات الطاهرات العفيفات بأبشع الألفاظ".

 

واستطرد "كان شعار المحققين خلال فترة التحقيق بينما يصعقون الشباب بالكهرباء: "كتر الشطة تجيب بواصير"، و"لا يأتي هنا إلا الرمم، والكلاب"، وقال الغرابلي: "كانوا يقولون لنا أنتم هنا في صحراء قاحلة، لو متم كلكم ستموتوا كالكلاب وسندفنكم هنا ولن يعلم عنكم أحد من الأمة كلها".

 

وأشار إلى أن الصعق بالكهرباء كان أبرز الأساليب الوحشية التي كان يستعملها المحققون والسجانون بحق السجناء، وخاصة الصعق في منطقة الأعضاء التناسلية من الأمام والخلف، والصدر والأفخاذ، وقال: "كفى عذابا، حرماننا من الكلام أو التفوه بأي كلمة طيلة 51 يوما، كنا نتمنى أن نتكلم مع الحجر فيرد علينا".

 

ولم يسمح السجانون للغرابلي وزملاءه الذين هددهم المحققون بالطرد والإبعاد خارج البلاد بالوضوء للصلاة إلا ثلاث مرات يوميا فقط، ومن يطلب المزيد يتعرض لسب الدين والذات الإلهية والألفاظ التي تهتك الحرمات وتقذف المحصنات، فيما اقتصر الطعام المقدم لهم على الفول والجبن والحلاوة والمربى والقليل من الأرز، بشكل يومي، الأمر الذي أدى إلى إصابة البعض بالأمراض المعوية والإمساك والمغص وغيرها.

 

وأجبر السجانون السجناء الفلسطينيين الستة على النوم مكبلي الأيدي خلف أظهرهم ليالي كثيرة، وكان الغطاء بطانية ذات رائحة عفنة، وفرشة رقيقة نتنة، أما الوسادة، فهي زجاجة الماء ليس إلا، ويستيقظ الأسرى ليشربوا ويستنجوا ويتوضئوا من زجاجة الماء الموجودة في الحمام.

 

 

وأكد القيادي في حركة الجهاد الإسلامي إلى أن السجانين سمحوا لهم طيلة الـ51 يوما بالاستحمام أربعة مرات فقط بعد اليوم الـ35 بالماء البارد، وكان السجان يقف على باب الحمام يخرج السجين بالقوة بعد ثلاث دقائق فقط من الاستحمام.

 

أما عصبة العينين، فكلما طلب أحدهم تخفيفها، كان الضابط يشدها بقوة، ويجبرهم على النوم على الجانب الذي يشتكون منه الألم، ويمنعون من التحدث مع أي أحد من إدارة السجن إلا بإذن، ويجبروا السجناء على الأكل حتى يتحملوا كل صباح مزيدا من التعذيب.

 

وفي سجن مباحث أمن الدولة المصري، لم يكن يسمح للسجناء بصلاة الجماعة أو الجهر بالقرآن في الصلوات الجهرية، أو التجمع لصلاة الجمعة، وأقسم الغرابلي أن شابا رفع صوته قليلا ذات يوم في إحدى الصلوات الجهرية، فأمره السجان بقطع الصلاة، وبدأ بكيل السباب والشتائم واللكمات والضربات على كل أنحاء جسده، وقال له "بتفتكر حالك في الجامع؟".

 

ويشتكي الغرابلي، الذي صب جام غضبه على النظام المصري، من آلام في عينيه وأذنه وظهره وأرجله، فيما أكد أن بعض زملائه يعاني من آلام شديدة في الجيوب الأنفية والركب والأعضاء التناسلية جراء الصعق بالكهرباء والضرب واللكم اليومي"، فيما كان السجناء يفاجئون بين الفينة والأخرى بالضباط يأمرونهم بالتعري الكامل، والضرب على كافة أنحاء الجسم واللكم على الأعضاء التناسلية".

 

وفي اليوم الواحد والخمسون، جاء الأمر بترتيب المتاع والاستعداد للمغادرة، وهنا بدأت عشرة أيام أخرى من التنقل بين سجون "خليفة" و"الجوازات" و"الإسماعيلية" و"العريش"، إلى أن انتهت مرحلة الإهانة والإذلال بوصول الفلسطينيين الستة إلى ديارهم.

 

واختتم الغرابلي الذي قال إن جنود وضباط مباحث أمن الدولة سرقوا كثيرا من متاعه الخاص: "أهون على البشر أن يكونوا في سجون إسرائيل من أن يكونوا في سجون الأمن المصري".

اخبار ذات صلة
فِي حُبِّ الشَّهِيدْ
2018-04-21T06:25:08+03:00