قبل نحو عقدين من الزمان كتب الأديب والروائي السوري محمد الماغوط: "كل طبخة سياسية في المنطقة أمريكا تعدها وروسيا توقد تحتها وأوروبا تبردها و(إسرائيل) تأكلها والعرب يغسلون الصحون".
حتى غسل الصحون لم يعد يجيده العرب اليوم، ومجددا عدنا إلى زمن التصفيق لهذا الفريق أو الهتاف لذاك، لأننا اعتدنا أن نكون مفعولا بنا لا فاعلين، فالبعض منا يتغزل بصفات القيصر الروسي فلاديمير بوتين والآخر ينحاز بحماس للسلطان العثماني رجب أردوغان، ثم نجري مقارنة بين السوخوي الروسي وأخواتها، والإف 16 الأمريكي وملحقاتها، وكأن التاريخ يعيد نفسه بينما نحن في نفس الموقع كما كنا خلال الحربين العالمية الأولى والثانية، منقسمين بين الحلفاء والمحور، وفي النهاية نكتشف أننا مجرد حطب معركة أو رصاص بنادق.
حتى عندما نشهر سلاحنا في فضائنا الفني نتغزل في المرأة: "مثل الطلقة الروسية إذا ما قتلتي بتشلي".
هكذا أدمنت المنطقة العربية الانحناء أمام إمبراطورية، أو دولة عظمى، ننتقل بين حضن شرقي إلى غربي، فقبل عقود خلتْ توسمت الشعوب العربية، المقهورة، أملاً في مواقف السوفييت تجاه قضاياهم وتقرير مصائرهم، حتى أنه في عام 1960، تحول حذاء الرئيس السوفييتي، آنذاك، نيكيتا خروتشوف إلى رمز بالنسبة إلينا بعد أن صفع به الطاولة في مجلس الأمن.
بينما يرسم اليوم الرئيس الروسي بوتين استراتيجيته السياسية والعسكرية من أوكرانيا حتى سوريا، بشأن ثباته، وتحديه للغرب ولأمريكا، من خلال مثل شعبي روسي استشهد به خلال لقاء مع المستشارة الألمانية انجيلا ميركل يقول المثل: "في ليلة الدخلة مهما فعلتِ سوف يتم نكاحك". اليوم تعاني الشعوب العربية فراغا عاطفيا في ظل غياب زعيم تعشقه أو دولة ترتمي في أحضانها بعدما بتنا نتلقى الصفعات والركلات من الجميع.
قد تدغدغ كلمات اردوغان مشاعرنا.. نبحث فيه عن الزعيم الذي يمكن أن يوقف "الملطة" التي نتعرض لها، لكننا نخشى أن نصاب بنكسة جديدة، فينطبق علينا المثل: "جيبتك يا عبد المعين تعينى لقيتك يا عبد المعين عايز تتعان"، والمشكلة تتكرر أننا اعتدنا أن نكون رصاص بنادق، بينما يلجأ اردوغان لبنادق الناتو، لأنه يعلم أن من اسقطت السوخوي الروسية، الإف 16 الأمريكية، وليس أغنية عربية تتغزل بالطلقة الروسية.