قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: مخاض عسير!

مؤمن بسيسو      

يبدو أن الوضع الفلسطيني بحاجة إلى مخاض عسير كي ينتظم في مساره المأمول الذي يعيد لشعبنا الأمل ولقضيتنا الحياة بعد أعوام من الألم والهوان.

لم نفقد الأمل في تحقيق المصالحة بعد، ولا يزال هناك حراك ما قد يثمر عن شيء ما على المدى المنظور، لكن مسرح السياسة الفلسطيني لا زال بعيدا عن أي تهيئة حقيقية لتشرّب قيم ومعاني المصالحة واستحقاقاتها المطلوبة.

تبدو حماس اليوم الأكثر استعدادا لإنجاح المصالحة ودفع ثمن إنجازها، لكن جهودها تصطدم بواقع مضاد يكرس إحباطات متزايدة ويجعل أي مصالحة قادمة أمرا مُفرغا من أي قيمة فعلية.

ما يتفاعل على مسرح الأحداث يؤشر إلى مصالحة شكلية لا غير، أو مصالحة في اتجاه واحد دون تبادلية لازمة أو إتيان على طرق جوهر الأزمة ومعالجة جذور الخلاف التي زرعت بذور الانقسام في المجتمع الفلسطيني.

ما إن تلقت خزينة السلطة الرشوة الجديدة (150 مليون دولار) من الإدارة الأمريكية حتى انكفأ خطاب المصالحة، وتراجعت فتح عن نيتها إرسال وفد يمثل لجنتها المركزية إلى غزة، وبات أمر المصالحة يحتل هامش خطابها وزوايا معالجاتها السياسية والإعلامية.

وجاءت موافقة السلطة على المفاوضات غير المباشرة لتلقي بفرص المصالحة خطوات إلى الوراء، وتحجبها عن صدارة الأجندة وسلم الأولويات الوطنية على إيقاع بيئة أمنية مفضوحة كرست بعدا لاوطنيا على أرض الضفة الغربية.

نقاط الخلاف المتبقية إزاء الورقة المصرية على محدوديتها لا تبرر الجمود الحاصل والتشدد الظاهر، لكن الأمر لا يخضع لقرار فتح الذاتي بقدر ما يخضع لسطوة القرار الخارجي، إقليميا ودوليا.

تفقد فتح بوصلة المصالحة والانسجام مع مقتضيات إصلاح الواقع الفلسطيني عن وعي كامل وبصيرة تامة، وتدرك تبعات ومآلات نهجها وسياساتها فلسطينيا، لكنها لا تجرؤ على الخروج عن الخط المرسوم، أو تكسر جُدُر المحظورات التي ترادف بقاء السلطة وكيانها الوظيفي.

ومع ذلك تحوي فتح في إطارها بعض القيادات والكوادر ذات الرؤى الوطنية المقبولة، لكن افتقارها إلى قوة المال والنفوذ يجعلها تغرد خارج السرب الفتحاوي المهيمن، ويحشر جهودها في أطر وزوايا العلاقات العامة ليس أكثر.

الإشارات والوقائع التي يرسمها الواقع الفلسطيني الداخلي تُنبئ عن استحالة بناء شراكة وطنية حقيقية بين فتح وحماس هذه الأيام، واستحالة تحقيق مصالحة فعلية وفق الرؤية الحمساوية المنشودة، ما يعني أن المفاضلة تراوح بين خيار استمرار الانقسام على مصائبه، أو خيار قبول استمرار المصالحة الشكلية على علاتها لا غير.

قد تكون حماس مضطرة لتجرع خيار المصالحة الشكلية، لكن ذلك يجب ألا يلغي سعيها الحثيث تجاه تنمية وتعزيز الخط الوطني داخل فتح، ورهانها على ضرورة بناء شراكة وطنية قادمة كرافعة حتمية لانتشال الوطن من وهدة المزالق والأزمات.

لا زال الوضع الفلسطيني في قلب الأزمة.. ولن يجتاز قسوة المرحلة الراهنة إلا بعد مخاض عسير يُرسي طائفة من القناعات والمحددات والمسلمات الوطنية التي تهيئ الحل والانفراج على قاعدة التوافق المشترك، وتبلور معادلة وطنية جديدة ذات حصانة بعيدا عن يد العبث والتخريب والانقلاب.

 

البث المباشر