بعد مرور ستين يوما على اندلاع انتفاضة القدس التي اتخذت طابعا شعبيا في مواجهة جرائم الاحتلال المتواصلة لتربك حسابته وتضعه في الزاوية، تظهر تساؤلات عديدة حول ما حققته هذه الأحداث التي من شأنها وفقا لمراقبين أن تؤسس لمرحلة جديدة في الملف السياسي الفلسطيني الإسرائيلي على الرغم من حالة اليأس التي دفعت الكثيرين لاستبعاد تحقيق نتائج لهذه الانتفاضة.
وارتفع عدد شهداء الانتفاضة منذ انطلاقها في الأول من شهر أكتوبر الماضي لأكثر من 104 شهيدا، حيث تصدرت محافظة الخليل قائمة المحافظات التي قدمت شهداء في هذه الانتفاضة حيث ارتقى 35 شهيداً، مقابل مقتل 23 إسرائيليا في عمليات إطلاق نار ودهس وطعن نوعية.
جذب الانظار
أولى النتائج التي حققتها الانتفاضة في شهرها الأول وفقا لقراءات مراقبين على الساحة الفلسطينية والإسرائيلية تكمن في قدرتها على اسقاط نظرية الردع الإسرائيلية وانهاء ما يسمى بنظرية الجيش الذي لا يقهر وتعرية "دولة الاحتلال" من خلال تسليط الضوء على انتهاكاتها وجرائمها ضد الشعب الفلسطيني.
المحلل السياسي فراس جرار من الخليل يرى أن الانتفاضة مع مرور شهرين على انطلاقها استطاعت أن تعيد الاهتمام والاعتبار للقضية الفلسطينية من جديد بعد سنوات من التهميش والتراجع لأسباب أبرزها تصاعد الأحداث والصراعات بالمنطقة.
كما أكد أن الانتفاضة أعادت مجددا القضية الفلسطينية إلى بؤرة الصراع الذي يجب استغلاله بشكل جيد على المستوى السياسي والقانوني لمواجهة جرائم الاحتلال في المحافل الدولية، قائلا: "الجميع يتفق اليوم على أن الانتفاضة جذبت الأنظار العربية والدولية التي غفلت عن مشاكل الشعب الفلسطيني المحتل".
فالانتفاضة حسب وجهة نظر جرار استطاعت أن تسلط الضوء على قضايا خطيرة أبرزها القدس والاستيطان والاستيلاء على أراضي الفلسطينيين بالضفة ما يؤسس إلى مرحلة جديدة من الاشتباك مع الاحتلال خلال الفترة القادمة.
ليس ذلك فحسب بل أكد أن أحداث الانتفاضة الجارية شكلت انتقالا هاما في مرحلة النضال الفلسطيني، قائلا: "استطاعت اثبات فشل المفاوضات والتأكيد على خيار العودة لمرحلة تصعيد النضال الفلسطيني بكل أشكاله للتصدي لجرائم الاحتلال، اضافة إلى اعادة الحراك والفعاليات الشعبية المؤيدة للقضية الفلسطينية في العالم حيث عمت العواصم الغربية المظاهرات الداعمة للانتفاضة".
انجاز سياسي
وعلى ضوء تلك التطورات المتلاحقة أقر وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي موشي يعالون في تصريحات له عبر اذاعة الجيش أن وقف انتفاضة القدس أمر لا يلوح في الأفق، متوقعا أن يطرأ المزيد من التصعيد على الأوضاع الأمنية ما يتطلب الاستعداد للتعامل مع سيناريوهات متعددة.
ويتفق المحلل السياسي خالد العمايرة من الخليل مع نظيره بأن الاهتمام الدولي بالملف الفلسطيني يمثل انجازا سياسيا للانتفاضة كون ذلك يذكر المنطقة بوجود صراع متواصل مع الاحتلال، الأمر الذي يدفع -حسب العمايرة- المجتمعات الدولية للضغط على الاحتلال لتقديم التنازلات السياسة والاقتصادية للشعب الفلسطيني للعودة على حالة الهدوء السابقة.
واللافت أن تواصل الاحداث وجهت رسالة للاحتلال بأن الجيل الذي جاء بعد أوسلو هو من يحمل شعلة الكفاح ويقود الانتفاضة ضد الاحتلال، يقول العمايرة: "انتفاضة القدس أعادت الملف الفلسطيني الساخن إلى أجندات العالم العربي والغربي بعد أن كانت مغيبة تماما".
كما أن الانتفاضة باتت تشكل أحد أشكال المقاومة والتي تستوجب قيادة وطنية لاستمرارها رغم محاولات القمع الصهيوني التي لن تفلح من وجهة نظر العمايرة في اجهاضها واخماد لهيب أحداثها.
وأجمع المراقبون أن انتفاضة القدس المتواصلة تتطلب لتحقيق مزيد من الانجازات والأهداف إعادة هيكلية الوضع الداخلي ليصبح الفلسطينيون أكثر جاهزية للتعامل مع المرحلة القادمة بوعي ونضج.