غزة- عدنان نصر
لا يزال المواطن عصام النمر (26 عاما) في حيرة من أمره؛ لعجزه عن إدارة عجلة حياته بعد إزالة كشكه الخشبي من أمام مفترق مستشفى العيون في شارع النصر.
ولم تثمر محاولات النمر في استجداء المسئولين لإبقائه في مكانه، ما دفعه في النهاية لاستدانة 1400 دينار أردني والانتقال إلى مخزن قريب من كشكه القديم.
وكانت بلدية غزة بالتعاون مع شرطة البلدية شرعت في إزالة البسطات العشوائية من الأسواق الشعبية، والأكشاك الخشبية من المفترقات العامة، ونقلت سوق فراس التجاري إلى منطقة اليرموك،
ورفضت تجديد العقود السنوية لأصحاب الأكشاك والتي تبلغ قيمتها 450 دينار أردني سنويا.
وانقلبت حياة النمر رأسا على عقب، فربحه الحالي لا يتجاوز الـ 27 شيكل، ولا يدري كيف سيسدد ديونه ويطعم عائلته.
ويقول النمر الذي كظم غيظه بكلمات مقتضبة: "البديل الذي طرحته البلدية في سوق اليرموك، لا يغني ولا يسمن من جوع، فالسوق يفتح يومين في الأسبوع أمام زبائنه."
ويشير م. حاتم الشيخ خليل مدير العلاقات العامة في بلدية غزة إلى أن 80% من الأكشاك أقيمت بطرق غير قانونية على الأرصفة في المناطق العامة، مما أعاق حركة المواطنين، منوها أن نسبة كبيرة من الأكشاك استخدمت لأغراض غير أخلاقية.
ويعلل الشيخ خليل ركود سوق اليرموك بسبب تراجع العديد من التجار عن شراء أماكنهم في السوق، داعيا التجار إلى التريث قليل والبدء في تجربتهم، لاسيما وأن المواسم تدق الأبواب.
وشهدت أسواق قطاع غزة نظام ليس له مثيل بعد إزالة البسطات المتعدية ، وتلاشت في غمضة عين الازدحامات المرورية التي كانت تحد من حركة وتنقل المواطنين، وشعر أصحاب المحال التجارية بالرضا لإزالة البسطات العشوائية التي كانت تنافس بضائعهم.
ضيق الحال لم يمهل المواطن أبو محمود (28 عاما) وقتا للتفكير، بعد أن ترك بسطته في ميدان فلسطين، وتحولت مهنته إلى بائع "براد"، و طرق أبواب المؤسسات الخيرية لتدبير شئون حياته، و رسم البسمة على شفاه أطفاله الصغار- كما يقول.
ويضيف الشيخ خليل أمهلنا أصحاب البسطات أكثر من عام لتنفيذ مشروع سوق اليرموك الشعبي، وجهزت البلدية خطة كاملة لتنفيذه ولكن غياب مواد البناء عطل استكمال المشروع.
ويبلغ إيجار البسطة في منتصف سوق اليرموك 600 دولار أمريكي كل ستة شهور أما البسطات المطلة على الشارع العام فتصل إلى 1000 دولار ،وترفض البلدية أن تكون مدة الإيجار أقل من عام.
وبشق الأنفس يزحزح أبو محمود عجلات دراجته العريضة، فقد أجبرته الظروف الكئيبة على الخروج مبكرا لاصطياد لقمة عيشه التي يصعب الوصول إليها في ظل الظروف السيئة.
ويعاني أبو محمود من عدم الاستقرار، يضطر يوميا لاستبدال مكانه ليتجنب مضايقات شرطة البلدية، وغالبا ما تكون أفضل أيامه نهاية الأسبوع وبدايته في سوق اليرموك، أما باقي الأسبوع فيتقلب على جمر الشمس في شوارع المدينة ليلتقط رزقه.
وكانت بلدية غزة نقلت البسطات المتعدية لسوق اليرموك من أجل تنظيم مظهر المدينة والتخفيف من الازدحام المروري، لكن خطواتها لم تكلل بعد بالنجاح، فالسوق يعتبر مكان نائي لبعض المواطنين، وغير عامر بالمشترين طيلة الأسبوع- كما يصفه البائعون.
ويصلح وضع السوق في الوقت الحالي لمقبرة، فهو خالي من المرافق العامة، وموقف لسيارات الزبائن، وسقفه المكشوف لا يحجب الشمس عن رؤوس المواطنين، بالإضافة إلى الروائح الكريهة المنبعثة من مكب النفايات القريب- كما يقول أبو محمود.
ونوه الشيخ خليل أن بلديته قامت بتبليط60% من مساحة السوق، وبناء معرشين كبيرين، لافتا أن الحرب الإسرائيلية دمرت المبنى الذي كان مخصصا لسوق فراس وللبسطات
ويبقى أصحاب البسطات يترقبون بفارغ الصبر حدوث تطورات ملموسة في سوق اليرموك الشعبي تنعش الحياة في أوصالهم بعد أن تبددت كل الفرص لاغتنام قوت يومهم.