خطاب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) الأخير حمل رسائل سياسية عديدة للداخل والخارج، وامتاز بالصراحة السياسية والمرونة تجاه الداخل الفلسطيني، وإظهار التحدي في مواجهة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني.
الرجل الذي وصفه "الموساد" قبيل اغتياله بأنه "الشخص الذي لا توجد كلمة "إسرائيل" في قاموسه الأيديولوجي"، أظهر تحدّياً للاحتلال حين أصرّ على أن هدف حركته النهائي هو التخلص من الاحتلال. لكن في الوقت نفسه اتسم بالواقعية السياسية، حين حدّد أهداف انتفاضة القدس، فلم يثقلها بأعباء تنوء بحملها، أو لا تملك الأدوات لتحقيقها.
من ذلك كان قوله "نريد من الانتفاضة لجم المستوطنين، ووقف الاعتداءات على القدس والأقصى، وإعادة الاعتبار للقضية، وضرب الأمن الإسرائيلي في عمقه، والتأكيد أن (إسرائيل) فاقدة للاستقرار والأمن".
وهنا لا يمكن أن يتهمه أحد بأنه يضع أهدافاً خارج القدرة الفلسطينية، في ظل أوضاع إقليمية ودولية مربكة للمشهد السياسي، خاصة وأن هذه الأهداف التي وضعها قد تحقق جزء كبير منها حتى الآن، ولاستكمال الجزء المتبقي يجب استجماع بقية أدوات القوة.
إن مشعل يستنفر العواطف دون أن يغفل العقل، يعلم أن عفوية الانتفاضة تعبّر عن نبض الشارع، وهو ضروري لاستمرارها "لكنها تحتاج إلى غطاء وسند قيادي ابتداء من القيادة الفلسطينية". وهو يؤكد كذلك الحاجة إلى استراتيجية موحدة للانتفاضة، والاتفاق على أهدافها، وكيفية إدارتها ميدانياً.
يعلم أبو الوليد، وهو السياسي المثقف، أن العدو يمتاز بالتنظيم والتخطيط البعيد المدى، وإرادة الشعب ضرورة للمقاومة، لكنها ليست وحدها كفيلة بتحقيق الانتصار، إن لم يصحبها تخطيط وتنظيم وقيادة ورؤية واضحة. لذلك هو شدد على مدار خطابه على ضرورة توافر القيادة، وهو الذي قرأ التاريخ، وعرف أن الاحتلال في المنطقة كان دوماً يحاول القضاء على الثورات باغتيال أو إبعاد قياداتها، بدءا بإبعاد عرابي وزغلول والمفتي الحسيني، وليس انتهاء باغتيال عشرات القادة.
ولتحقيق هدف تشكيل قيادة موحدة بعث مشعل برسائل طمأنة عديدة إلى السلطة الفلسطينية وحركة فتح، بأن الانتفاضة ليست ضد السلطة وإنما ضد الاحتلال. وأعلن أنه اتصل بعباس في بداية الانتفاضة، وكذلك بكل الفصائل الفلسطينية. وكرر دعوته للمشاركة والمصالحة.
إن خطاب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بدا بعيداً من الشعارات، متسماً بالواقعية، محافظاً في الوقت نفسه على الثوابت، ومدركاً للمخاطر والمؤامرات التي تتهدّد الانتفاضة، مرناً في طرحه للمصالحة الفلسطينية.