بعد منتصف الليل وقبل أن تصدح المآذن بتكبيرات فجر يوم الجمعة التاسع منذ بدء انتفاضة القدس، كان مصطفى فنون وابن عمه طاهر على موعد مع الشهادة، جراء اختراق أكثر من 20 رصاصة لأجسادهم الصغيرة على أحد الحواجز العسكرية في مدينة الخليل المحتلة.
"تنفيذ عملية طعن وإصابة أحد الجنود" ذريعة ألصقتها قوات الاحتلال بجريمة إعدام الشابين مصطفى (16 عاما) وطاهر (19 عاما)، مبررة بذلك إطلاق الرصاص الحي عليهم وتركهم ينزفون حتى مفارقة الحياة واحتجاز جثمانهم.
أصوات اطلاق النيران على الشابين سمعها أهالي حي تل الرميدة في الخليل، والقريب من منطقة جبل الرحمة التي يقطن فيها الشهداء وذووهم، لتتسارع معها نبضات قلوب والداتهم، قبل أن يجتمع أفراد العائلة ليتفقدوا أبناءهم، في الوقت الذي بدأت فيه الأنباء تتوارد عن استشهادهما.
تحقيق الشهادة
الصور المتواردة للشابين وهما ملقيان على الأرض ومضرجان بدمائهما، أكدت للعائلة نبأ استشهاد نجليهما، ليحققا بذلك أمنيةً طالما أعلناها وهي تحقيق الشهادة والالتحاق بركب الشهداء، دون اعتقال أو اصابة.
ورغم ذلك، لم يراعِ الاحتلال صدمة أهالي الشهداء بتلقي نبأ استشهادهم، حتى اتصل جهاز المخابرات الإسرائيلية (الشاباك) على والدي الشهيدين، مستدعيا إياهم للتحقيق الميداني فورا على أحد الحواجز العسكرية في البلدة.
"كان مثاليا وهادئا، ويحرص على عدم الغضب، فيما يردد دائما عبارات الشهادة ويطالع صور من سبقه من الشهداء"، كلمات أجملت بها شقيقة الشهيد طاهر حياته، متمنية الإسراع في الافراج عن جثمانه وجثمان مصطفى ابن عمه.
مقابل ذلك، امتلأت صفحة الشهيد طاهر على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" بصور شهداء انتفاضة القدس وانتهاكات قوات الاحتلال ومستوطنيه للمسجد الأقصى وباحاته، معلقا على أغلبها بالقول "عار علينا إذا سكتنا".
ووفقا لوالدته، فإن دراسة طاهر في كلية الشريعة بجامعة الخليل، انعكست على حياته وسلوكه المتدين، موضحة أنه كان يقضي جُلّ وقته مع الشهيد مصطفى في مسجد الريان القريب من منزلهم، لأداء الصلوات كافة في جماعة.
ورغم مرورها على غرفته قبل استشهاده بساعات، وملاحظتها انهماكه في القراءة والكتابة على إحدى الأوراق، لم تكن تعلم الوالدة أنه يُعدّ لشيء ما، ظنا منها أن نجلها يستعد لتقديم الامتحانات التي يصادف وقتها هذه الأيام.
اعدام متعمد
فضل فنون -والد الشهيد مصطفى- لم يجد مبررا لجنود الاحتلال لإفراغ رصاص أسلحتهم في جسد هاذين الشابين، مؤكدا أنه كان بالإمكان التصرف بأي طريقة ان صحّت رواية الاحتلال بنيتهما تنفيذ عملية طعن، كونهما ما زالا يافعين ويمكن السيطرة عليهم بسهولة.
وقال فنون في مقابلة صحفية: "لا يملك جنود الاحتلال أي شفقة أو رحمة في التعامل مع الفلسطينيين، بدليل تعاملهم مع أبنائنا وغيرهم من الشهداء"، موضحا أن رواية ظروف استشهاد نجليهما لم تصلهم إلا عن طريقة الاحتلال فحسب.
واستقبلت عائلة الشهيدين مئات المعزين والمواسين رغم احتجاز الاحتلال لجثمانهم ونقل أحدهم إلى الثلاجات عبر جيبٍ عسكري، فيما سيضاف صوت هذه العائلة للعشرات ممن سبقوهم بمطالبة الاحتلال بالإفراج عن جثمان ذويهم.
وبحسب مركز القدس لدراسات الشأن الاسرائيلي، فإن السلطات الإسرائيلية تحتفظ بجثامين 47 شهيدا فلسطينيا منذ بدء انتفاضة القدس، رغم تسليمها جثامين 11 شهيدا خلال ذات الفترة.
وكان منطقة تل الرميدة وشارع الشهداء في مدينة الخليل وغيره من المناطق المحيطة بالمسجد الابراهيمي قد شهدت عدة اعدامات خلال الانتفاضة، آخرها كان اعدام الشهيدين فنون في النقطة العسكرية التي أقيمت لحماية المستوطنين في منطقة تل الرميدة.