قائمة الموقع

مقال: ( السعير هو المصير لمن يسير مع الخيانة والفجور طمعاً في المناصب والأجور )

2015-12-10T07:17:18+02:00
thumb.php
د. يونس الأسطل

( يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ . وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ  (هود (98، 99)

تابعتُ بعض التعقيبات أو التعليقات على مصافحة أبي مازن للنتن ياهو في باريس مؤخراً مبتسماً في وجهه في الوقت الذي تتلطخ به يداه بدماء شباب القدس والضفة والخليل وغزة، حيث ناف عدد الشهداء على المائة، بينما جاوز الجرحى بضعة آلاف، فضلاً عن الجرائم الأخرى، ومن أشنعها هدم البيوت، وطرح أهلها في العراء والبرد، وقد تزامن ذلك مع إقدام بعض الزعماء العرب على الترحاب بافتتاح ممثلية صهيونية على أرض الإسلام التي جُعِلَ مستخلفاً فيها، لينظر ربُّنا كيف يعملون، مع أن معظم الزعماء العرب، والملأ من حاشيتهم، يودون لو نقبل بما قَبِلوا به؛ من الاعتراف بشرعية الاحتلال، والتعهد بالتوقف عن مقاومته، ولو قصاصاً ودفاعاً عن النفس، ثم القبول باتفاقية أوسلو، وما وراءها من المعاهدات أو الوثائق، وكل وثيقةٍ منها أكبر من أختها التي سبقتها؛ لنكون بذلك سواءً في الانبطاح للصهاينة والصليبيين.

وقد أردتُ بآيتي المقال أن أنصح لأولئك الحكَّام، ومَنْ حولهم من المصفِّقين والمنتفعين؛ بأن عاقبة مشايعة الحكام على الباطل أن يقودوهم يوم القيامة إلى النار، وبئس القرار، ولاتَ حينَ مناص، ولن ينفعكم يومها إذْ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون، حتى لو قلتم:

  " رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا . رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا " الأحزاب (67،68)؛ فإن ربَّنا جل جلاله سوف يستجيب لذلك الدعاء، ولكنْ بمضاعفة العذاب للفريقين، للذين اتَّبَعوا، وللذين اتُّبِعوا، ولسوف يَشْمَتُ القادة في الملأ والرِّعاع بأنهم لم يُفَضَّلوا عليهم بعذاب، فقد ضوعف للرؤوس والتيوس على حدٍّ سواء، واقرؤوا ما جاء في سورة الأعراف:

" قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ . وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ " الآيتان (38،39).

ذلك أن الذين يتخذون أوثاناً بشريةً، أو سياسيةً، أو يَلْتَقُون على مصالحَ دنيويةٍ على حساب الدين والديار، وإنْ قامت بينهم المودة في الحياة الدنيا؛ فإنها تنقلب يوم القيامة كفراً من بعضهم ببعضٍ، ويلعن بعضهم بعضاً، ومأواهم النار، وما لهم من ناصرين، كما جاء على لسان سيدنا إبراهيم في سورة العنكبوت (25).

وبالعودة إلى قصة فرعون في سورة هود؛ فإنها تخبرنا أن الله تبارك وتعالى قد أرسل سيدنا موسى عليه السلام بآيته وسلطانٍ مبين، إلى فرعون وملئه، فاتَّبعوا أمرَ فرعون، وما أمرُ فرعون برشيد، برغم زعمه أنني ما أريكم إلَّا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد، وقد اختصرت السورة المشهد؛ فإذا بفرعون يوم القيامة قد تقدَّم قومه، وهم يَمْضُون خلفه، حتى أوردهم النار، وهو أسلوب سخريةٍ وتهكُّم، حين يُصَوِّرُ مشهدهم كقطيع الأنعام الذاهبة خلف راعيها؛ لترد الماء من بئرٍ أو نهر، وهي في غاية الظمأ؛ فإذا بالوِرْد نارٌ تلظَّى، قد كُبْكبوا فيها هم والغاوون، وجنودُ إبليس أجمعون، وإن يستغيثوا يغاثوا بماءٍ كالمهل يشوي الوجوه، بئس الشراب، وساءت مرتفقاً، وقد خاب كلُّ جبارٍ عنيد، من ورائه جهنمُ، ويُسقى من ماءٍ صديد، يَتَجَرَّعه، ولا يكاد يُسيغه، ويأتيه الموت من كلِّ مكان، وما هو بميتٍ، ومن ورائه عذابٌ غليظ، وسُقُوا ماءً حميماً فقطَّع أمعاءهم، وأما العزيز الكريم فيهم فهو الأثيم، وطعامه الزقوم، كالمُهل يغلي في البطون كَغَلْيِ الحميم، ويقول ربنا جل وعلا للملائكة الغلاظ الشداد، أو الزبانية:

" خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ . ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ . ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ " الدخان (47-49).

وأما الملأ من قومه فقد قُطِّعَتْ لهم ثيابٌ من نارٍ، يُصَبُّ من فوق رؤوسهم الحميم، يُصْهَرُ به ما في بطونهم والجلود، ولهم مقامعُ من حديد، كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غَمٍّ أُعيدوا فيها، ويقال لهم تبكيتاً وتكبيتاً: ذوقوا عذاب الحريق. كما في سورة الحج (19-22)

وأما بقية القوم المجرمين فالأغلال في أعناقهم والسلاسل يُسحبون في الحميم، ثم في النار يُسْجَرون، فهم يطوفون بينها وبين حميمٍ آنٍ، ثم إن لهم عليها لَشَوْباً من حميم، ثم إن مرجعهم لَإلى الجحيم، وقد عقَّبتْ سورة هود على ذلك بأنه: " بِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ " فقد أُخِذوا بعذاب بئيسٍ بما كانوا يفسقون.

وأما الآية الثانية في صدر المقال فتخبر أن فرعون ومَلَأَهُ قد أُتْبعوا فوق ما هم فيه من أشدِّ العذاب بلعنة الله، ومن يلعن الله فقد أعدَّ لهم سعيراً، خالدين فيها أبداً، لا يجدون ولياً ولا نصيرا، يوم تقلَّب وجوههم في النار، يقولون: يا ليتنا أطعنا الله، وأطعنا الرسولا، وأنَّى لهم التناوُشُ من مكانٍ بعيد، ويوم القيامة هم من المقبوحين.

إن تلك اللعنة قد طالتهم في الدنيا قبل الآخرة، فقد أُخِذوا بالسنين، ونقصٍ من الثمرات؛ لعلهم يَذَّكَّرون، فلما قالوا لموسى عليه السلام:

" مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ " أرسل جل جلاله عليهم الطوفان، والجراد، والقُمَّل، والضفادع، والدم آياتٍ مُفَصَّلاتٍ، فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين كما في سورة الأعراف (130-133)، ولذلك فقد انتقم منهم، وأغرقهم في اليمِّ، وأضلَّ فرعون قومه وما هدى، ولذا فقد ختم الآية بالاستهزاء من العطاء الذي أعطاه فرعون للملأ من قومه، فقال: " بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ ".

فإذا عدنا إلى واقعنا فما عسى أبو مازن أن يمنح أجهزة دايتون، والملأ من حركة فتح، أو المُطَبِّلين من حوله؟!، هل الأجور والمناصب تغني عنهم فتيلاً، أو نقيراً، أو قِطميراً، إذا نزلتْ بهم لعنة الله في الدنيا، وهو الذي لا يُرَدُّ بأسه عن القوم المجرمين؟!، وأما في الآخرة فلا يُغني مولىً عن مولىً شيئاً، ولا هم يُنصرون، ولن يُقْبل من أحدهم مِلْءُ الأرض ذهباً ولو افتدى به، فهلَّا تاب أولئك وأنابوا من قبل أن يأتيهم العذاب، ثم لا ينصرون!!

   وإن ربَّك لشديد العقاب، وإنه لغفور رحيم

اخبار ذات صلة