قائمة الموقع

مرج الزهور.. وأد سياسة الإبعاد وانتصار الإرادة

2015-12-17T09:47:58+02:00
مبعدي مرج الزهور
غزة – الرسالة نت

الرابع عشر من ديسمبر عام 1992م، انتهت المدة التي حددتها كتائب القسام لحكومة الاحتلال من أجل الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين المعتقل لديها، لقاء الإفراج عن الرقيب أول نسيم توليدانو والمأسور لدى القسام، خسر الاحتلال حياة توليدانو نتيجة تعثر الوصول لاتفاق يُبرمُ خلاله صفقة للتبادل.

بعد يومين فقط ألقى القسام جثة توليدانو على طريق القدس أريحا، ما جن جنون رئيس وزراء الاحتلال آنذاك إسحاق رابين، وأعلن من داخل الكنيست الحرب على حركة حماس، فبدأ حربه بإبعاد 415 من قادة العمل الإسلامي جُلهم من حركة حماس إلى مرج الزهور بجنوب لبنان، والذي يصادف اليوم السابع عشر من ديسمبر الذكرى الثالثة والعشرين عليها.

داهمت قوات الاحتلال منازل من وضعت أسماءهم على لائحة الإبعاد، وجُمعوا جمعياً بشاحنات غير مخصصة للنقل الآدمي، سارت الشاحنات لساعات عديدة فظن المبعدون أن الأسر هذه المرة لن يكون في السجون المعروفة والموجودة بغزة والضفة، لكن أقصى ما توقعوه أن تكون وجهتهم نحو سجن صحراء النقب.

بعد أن مضى 60 ساعة ولم تصل الشاحنات إلى مقصدها أدرك المبعدون أن القضية أكبر من الاعتقال، وأن وجهتهم ليست النقب. لحظات حتى وجدوا أنفسهم على الحدود اللبنانية بعد أن أبلغهم الضابط المسؤول أنهم مبعدون بقرار من رئيس وزراء الاحتلال إسحاق رابين.

مخيم العودة

كان رفض الدخول إلى لبنان والاكتفاء بإقامة مخيم على الحدود اللبنانية على تلال الثلج بين في واد غير ذي زرع من أكثر القرارات الاستراتيجية التي اتخذها المبعدون، إذ صنعوا لأنفسهم مجتمعاً داخل هذا المخيم والذي أطلقوا عليه اسم "العودة" لترسيخ مبدأ العودة القريبة.

نجح المبعدون في تحويل مخيمهم إلى دولةٍ صغيرة، واتبعوا أسلوباً إيجابياً في تنظيم العمل، فقسموه إلى لجان عديدة، وانتخبوا من يديرها، برز بينها اللجنة الإعلامية التي استطاعت بناطقيها د.عبد العزيز الرنتيسي متحدثاً باسم المبعدين باللغة العربية، ود.عزيز دويك متحدثاً باللغة الإنجليزية، في حشد الرأي العالمي لقضيتهم وإيصالها لأكثر من 100 دولة.

جامعة ابن تيمية

لم يقتصر جهد المبعدون على الجانب الإعلامي فقط رغم أهميته الكُبرى، إلا أنهم ساروا بخطٍ متوازٍ في البناء والتربية، فأسسوا جامعة "ابن تيمية" التي ضمت 88 طالباً جامعياً، وحاضر فيها العديد من الأكاديميين المبعدين، وكان التدريس فيها علي أسس علمية وجامعية كالمعتمدة في جامعات فلسطين.

 كما أنهم نجحوا في التنسيق مع الجامعات الفلسطينية في الضفة وغزة لاحتساب المساقات التي تدرس بجامعة ابن تيمية، وقد تخرج في الدفعة الأولى 15 طالباً وتم اعتماد شهادتهم في جميع الجامعات الفلسطينية بعد ذلك، كما أقامت الجامعة دورات تدريبية لغير طلبة الجامعات فاستغلوا أوقاتهم، وطوّروا قدراتهم.

عيادة الإبعاد

أراد الاحتلال أن يكون الإبعاد منفى ونكبة لقادة العمل الإسلامي، لكنهم جعلوا من نكبتهم رحلة وتجربة في كل المجالات، فوظفوا طاقاتهم جميعاً، وأنشؤوا عيادة طبية يديرها الدكتور عمر فروانة تعمل على مدار الساعة لمداواة مرضاهم، نجحت في إجراء عدة عمليات جراحية لعدد من المبعدين، حتى أن عدداً من سكان منطقة مرج الزهور تلقوا علاجا منها.

فصولٌ من العذاب والمعاناة عاش تفاصيلها مبعدو مرج الزهور طيلة فترة إبعاده، إذ عاشوا في طبيعة مناخية غير تلك التي اعتادوا عليها، وظروف استثنائية لم يتعودوا عليها قط، عمقت إيمانهم أن لا خيار غير العودة يُقبل.

لم يتوقف المبعدون عن تنظيم المسيرات والوقفات الاحتجاجية للمطالبة بحقهم في العودة، وبرز من هذه الفعاليات "مسيرة الأكفان" في أبريل من عام 1993م، التي لبس فيها المبعدون أكفانهم واتجهوا نحو الحدود لرفضهم أي قرار سوى العودة إلى ديارهم.

راهن الاحتلال وعلى مدار سنة كاملة من قبول المبعدين بالواقع الذي حاول فرضه، إلا أنهم نجحوا في كسر قرار الإبعاد ووئد هذه السياسة في مهدها، فوافق الاحتلال في سبتمبر عام 1993م، على عودة 189 مبعد إلى ديارهم، فيما عاد الباقون في ديسمبر من نفس العام.

لحق بالاحتلال العار، فلم يحقق مراده بإبعاد قادة العمل الوطني في تسعينات القرن الماضي، فعادوا أكثر سعياً لمقاومة الاحتلال، بعدما كسبوا تعاطفاً عالمياً مع قضيتهم، لتفشل بذلك سياسة الإبعاد.

اخبار ذات صلة