مرشحو الرئاسة الأمريكية ومسابقة تدليل (إسرائيل)

مرشحو الرئاسة الامريكية
مرشحو الرئاسة الامريكية

د. صالح النعامي

رغم أن المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة العنصري دونالد ترامب لا يحتاج كثيراً للمال في حملته الانتخابية، حيث أنه ملياردير جرف ثروة طائلة من خلال اتجاره بالنفط العربي، إلا أن الملياردير اليهودي الأمريكي شيلدون أدلسون، الذي يعتبر أهم ممولي حملات مرشحي الرئاسة الجمهوريين حرص على لقائه.

المفارقة أن أدسلون قد أكد أنه وقع في "سحر" ترامب، وأنه سينتظر حتى فبراير القادم وهو الموعد الذي يتم فيه تحديد مرشح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية لكي يعلن موقفه بشكل نهائي.

ونظراً إلى أن جميع استطلاعات الرأي العام تمنح ترامب تفوقاً على كل منافسيه في الحزب الجمهوري، فإن هناك أساس للاعتقاد أنه سيحصل على دعم أدسلون، الذي يجاهر بأن معايير تأييده لأي مرشح جمهوري هو مدى التزامه بمصالح (إسرائيل)، كما يراها اليمين المتطرف في تل أبيب.

لكن إذا عرفنا أن أدسلون هو صديق شخصي لرئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، وأكبر ممولي حملاته الانتخابية، وقد دشن من أجله صحيفة، هي صحيفة "يسرائيل هيوم" بهدف تحسين فرصه للفوز بالانتخابات الإسرائيلية، فمن المستبعد أن يعقد اللقاء مع ترامب دون التوافق والتنسيق مع نتنياهو.

من هنا يتبين أن إعلان نتنياهو تحفظه على خطاب ترامب العنصري ضد المسلمين لا يعكس واقع الأمور، فإسرائيل تأخذ بعين الاعتبار أن فرص ترامب بالفوز كبيرة وتعمل على هذا الأساس. 

ما يتردد نتنياهو في التعبير عنه تعبر عنه النخب الصهيونية، التي احتفت بخطاب ترامب وأكدت أنه يمثل (إسرائيل) أكثر من أي مرشح آخر. ويجاهر المفكر الشاعر الصهيوني بني تسيفر بتأييده لمواقف ترامب العنصرية تجاه المسلمين لأنها تمثل في الواقع أهم مرتكزات الفكرة الصهيونية.

ويهاجم تسيفر "نفاق" بعض الأوساط في (إسرائيل) التي انتقدت خطاب ترامب، متسائلاً: " أليست المعاملة التمييزية التي يتعرض لها المسلمون والعرب عند وصولهم مطار بن غوريون تدلل على أن (إسرائيل) سبقت بالأفعال ترامب". لكن لو افترضنا جدلاً أن ترامب لم يفز وفاز أحد مرشحي الحزب الجمهوري، فهل ستكون درجة تعاطيهم مختلفة؟

نترك الإجابة للأكاديمي اليهودي الأمريكي بيتر باينروتن الذي أكد في بحث نشره مؤخراً، أن مواقف بقية المرشحين الجمهوريين من القضية الفلسطينية تتراوح بين المنادين إلى إبقاء الفلسطينيين تحت الاحتلال إلى الأبد والداعين إلى طردهم، في حين أن هناك من ينفي وجودهم أصلاً كشعب.

وإن كان للمرء أن يتفهم خلفية المواقف التي عبر عنها المرشحون الجمهوريون المتأثرين بمواقف المحافظين الجدد من الصراع، فأن المفاجأة تكمن في المواقف التي عبرت عنها هيلاري كلنتون، الأوفر حظاً بالفوز بترشيح الحزب الديموقراطي.

وقد طرحت كلنتون تصورها لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في كتابها "خيارات صعبة" الذي صدر عام 2014، حيث ارتأت أن أكثر ما يمكن لـ(إسرائيل) أن توافق عليه هو منح "حكم ذاتي" للفلسطينيين مقابل حصول (إسرائيل) على الأمن. أي أن كلنتون ترفض إقامة الدولة الفلسطينية؛ وهي بذلك تتماهى مع مواقف هوامش اليمين المتطرف في (إسرائيل).

فحتى رئيس الوزراء الإسرائيلي الليكودي بنيامين نتنياهو الذي يعلن في بعض الأحيان رفضه لحل الدولتين، سرعان ما يضطر للتراجع عن هذا الموقف حتى لا يفضي هذا الموقف إلى صدام مع المجتمع الدولي.

وفي موضع آخر من الكتاب، تتبنى كلنتون حجة اليمين الإسرائيلي الرافض لمسألة الانسحابات من الأراضي المحتلة خشية أن تسفر التحولات في العالم العربي عن تطورات سلبية، تجعل المناطق التي ينسحب منها جيش الاحتلال قواعد انطلاق للعمل ضد (إسرائيل).

وتدعي كلنتون أنه من الصعب تسويق فكرة الانسحاب من الأراضي المحتلة في الوقت الذي تتهدد بعض الأنظمة المعتدلة المخاطر. وتطالب كلنتون بإضفاء شرعية على التوسع الإسرائيلي داخل الضفة الغربية من خلال تأييدها لتدشين جدار الفصل العنصري، الذي ضمن عملياً ضم مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 67 لـ(إسرائيل). ولم تتردد كلنتون في تأييد قطع المساعدات الأمريكية عن السلطة الفلسطينية في حال أعلنت عن قيام الدولة الفلسطينية من جانب واحد.

وفي مقال نشرته في نوفمبر الماضي في صحيفة "هارتس" خرجت كلنتون عن طورها في محاولة استرضاء الرأي العام الإسرائيلي ومن خلفه المنظمات اليهودية الأمريكية، من خلال تفصيل الإجراءات والقرارات التي ستتخذها لصالح (إسرائيل) في حال فازت بالرئاسة، ناهيك عن تعهدها بعقد لقاء مع نتنياهو بعد شهر على توليها المنصب.

وأبدت الوزيرة الأمريكية السابقة "تعاطفها" مع المستوطنين اليهود الذين لا يغادرون منازلهم خشية تعرضهم لـ "اعتداءات" المقاومين الفلسطينيين؛ دون أن تبدي أي تفهم لدوافع المقاومين الفلسطينيين ولا تنظر بتعاطف للفلسطينيين الذين يتعرضون للقمع الإسرائيلي في كل لحظة وفي كل حين.

ولم تدخر كلنتون جهداً في التدليل على انحيازها لإسرائيل، فقد ذكرتها 40 مرة في خطابها أمام معهد "بروغينز" في سبتمبر الماضي ، في حين لم تذكر الفلسطينيين مرة واحدة.

قصارى القول لا يوجد للفلسطينيين ما يبحثون عنه في أمريكا.

البث المباشر