على مدار العشر سنوات الأخيرة صدّرت تركيا للمنطقة العربية العشرات من مسلسلاتها التي دُبلجت إلى العربية، منها الغث والسمين، وأغرقت بيوتنا بثقافات بعيدة عن عاداتنا وتقاليدنا، وثقافتنا العربية الإسلامية، وكان لشركات إنتاج عربية المساهمة الأكبر في استيراد تلك المسلسلات، ناهيك عن نظيراتها، الهندية والكورية والمكسيكية والإيرانية، في حين من النادر جدًا ما تصدر تلك الشركات مسلسلات عربية إلى تلك البلدان.
لكن المفاجأة كانت في قناة الأقصى، حينما صدرت مسلسلها "الفدائي" بجزئه الأول، ودبلجته إلى التركية، ويبث الآن على قنوات تركية.
هذا إنجازٌ هام لقناة الأقصى، يحسب لها، بأنها استطاعت أن تتغلب على الحصار، وقلة الامكانيات الفنية والمالية، وابرمت اتفاقًا مع مؤسسة تركية بهذا الشأن، وبذلك تكون فضائية الأقصى قد حلت ضيفة على البيوت التركية مدة ثلاثين يومًا، تنشر فيها الثقافة الفلسطينية المقاومة، والتي لا تخضع للعدو الصهيوني المحتل، ولا ترتضي بالذل والمهانة، وكذلك تمكنت من نشر الرواية الفلسطينية ومواجهة الدعاية اليهودية الصهيونية.
واستمرارًا للجزء الأول من الفدائي، فإن القناة تصور في هذه الأيام الجزء الثاني، برؤية أوسع وأشمل للواقع الفلسطيني، والذي سيبث في رمضان القادم من العام 2016، وكما بث الجزء الأول على قنوات عربية، فإن الثاني سيشهد انتشارًا أكبر إن شاء الله.
ولأن قناة الأقصى تعتبر "خارجة عن الصف الأمريكي، فقد تعرضت للعديد من القرارات ضدها في محاولة لإسكات صوتها، أذكر منها:
1- الكونجرس الأمريكي اعتبر قناة الأقصى منظمة إرهابية عام 2008 .
2- وزارة الخزانة الأمريكية قررت عام 2010 تجميد أرصدة القناة في الخارج -وكأنها تملك شيئا هناك-.
3- فرنسا قررت عام 2010 إزالة الأقصى عن قمرها الرئيس "اليوتلسات".
4- مجلس وزراء الإعلام العرب قرر إزالة القناة عن القمر النايل سات.
5- حكومة فياض قررت عام 2007 م اعتبار العمل مع الأقصى تهمة توجب المساءلة.
6- الجيش الصهيوني قرر عام 2014 منع عمل قناة الأقصى في الضفة والقدس.
7- جهاز المخابرات التابع للسلطة قرر عام 2015 منع البث المباشر للقناة في الضفة.
هذا عوضا عن استهداف مقرات القناة بالصواريخ وتدميرها أكثر من مرة، واستشهاد 4 من صحفييها وإصابة آخرين، إضافة للمطاردة واعتقال مراسليها ومصوريها في الضفة على يد الاحتلال وأجهزة السلطة.
هذه القرارات والقصف المباشر بحق القناة الأقصى، ما هي إلا وسام شرف لها، باعتبارها على طريق الحق، وأنها مؤثرة وذات شأن كبير، ولم تكن مجرد قناة أو وسيلة للإعلام تنقل الأخبار كباقي عشرات القنوات الفضائية.
كانت آخر بصمات قناة الأقصى، التغطية المميزة لانتفاضة القدس، التي دخلت شهرها الرابع، فقد كان للقناة الأثر الكبير في صناعة الانتفاضة، وإشعال أحداثها واستمرارها، واعتبرت المحرض الأول والرئيس في تفجيرها، والموجه للجماهير، ولذلك تم استهداف القناة من جديد، فقد تعرضت لهجمات تقنية في محاولة لإيقاف بثها والتشويش عليها، فما نجحوا برغم ما يمتلكون من إمكانيات، وكانت مصادر التشويش أماكن أربعة، هي: تل أبيب وصفد وقبرص ومصر، ورغم ذلك مازال البث مستمرا -بحول الله-
ثم جاءت الهجمة الإلكترونية التي استهدفت الكيان الرقمي للقناة، لإزالته تمامًا عن الفضاء الإلكتروني، وردًا على هذه الهجمة الشرسة، قالت الأقصى :"أن لكم أن تطفؤوا نورنا؟"، وتمكنت من إعادة معظم وسائلها المرادفة على وسائل الإعلام الاجتماعي.
في الختام نقول أنه بعد عشر سنوات من انطلاق بث قناة الأقصى الفضائية، فإنها تعكف على إعداد كتاب يوثق نهجها ورسالتها، وكذلك مدرستها الإعلامية، حتى تساهم فيما بعد في تشكيل وتأسيس جيل إعلامي مقاوم، تكون لديه القدرة على صناعة الرأي العام والتأثير فيه.