تمهيدًا لأي مفاوضات مستقبلية

القسام يخترق جدار الصمت في معركة الأسرى

خلال تسليم شاليط للجانب المصري
خلال تسليم شاليط للجانب المصري

الرسالة نت- محمد أبو زايدة

ما زالت كتائب القسام الجناح العسكري المسلح لحركة "حماس"، تُدير حرب أدمغة مع الاحتلال في قضية الأسرى "الإسرائيليين" لديها، وآخر ما أعلنت عنه سماح القائد العام للقسام محمد الضيف، نشر تفاصيل جديدة عن عملية أسر الجندي جلعاد شاليط، والاحتفاظ به لمدة 5 سنوات متواصلة.

ومما لا شكّ فيه أنّ عملية احتجاز القسام للجندي "شاليط"، لفترة (5 سنوات) متواصلة دون الكشف عن تفاصيل بلا ثمن من الاحتلال، كانت حرب أدمغة تعتبر الأضخم والأكثر تعقيدا في تاريخ الصراع مع "إسرائيل". وفق مراقبين.

وكلّما وارت حكومة الاحتلال عن سوءة فشلها في مقولتها التي أعلنتها في إطار عقيدتها العسكرية، أنّ "إسرائيل لا تترك جنودها خلف خطوط العدو"؛ لكنها عقب العدوان الأخير (2014) وإعلان القسام عن وجود أسرى من جنود الاحتلال ضمن ما أطلق عليه "الصندوق الأسود"، عمدت (إسرائيل) إلى إقامة جدار من الصمت حول القضية من خلال الإعلان أن جنوده قتلى، لا مفقودين، في محاولة لتجنّب ضغط الرأي العام الداخلي الإسرائيلي، إلا أن الكتائب استطاعت اختراق هذا الجدار.

وعودة إلى الخامس والعشرين من يونيو/ حزيران لعام 2006، فقد اعتقلت كتائب القسام الجندي "جلعاد شاليط" من ثكنته العسكرية في عملية معقدة شرق مدينة رفح جنوب قطاع غزة.

وخلال فترة أسر "شاليط" التي استمرت لـ (5 سنوات)، كرّست "إسرائيل" وسائلها التكنولوجية، والبشرية، وتعاونت مع القريب والبعيد؛ أملًا في الحصول على معلومات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، تصوّر لهم فرصة التفكير في مكان الاعتقال، والطريقة التي يحتجز بها؛ للتسهيل مع الملف أمنيًا، لأنّ التعامل معه سياسيًا يكلّفهم الكثير، وفق الكاتب والمحلل السياسي محمود مرداوي.

وأكّد مرداوي لـ "الرسالة نت" أنّ القسّام تميّز بقدراتٍ هائلة بالاحتفاظ بالجندي "شاليط" في ظل شهيّة الجميع لمعرفة معلوماتٍ حول مصيره.

ولم تحرر القسام أي معلومةٍ أثناء اعتقال "شاليط" إلّا لغرضٍ يخدم المصلحة العامّة، والإفراج عن أكبر قدرٍ ممكن من الأسرى الفلسطينيين القدامى، وهو ما نجحت به في أكتوبر/2011، بعدما أفرجت عن 1047 أسيراً وأسيرة فلسطينية من سجون الاحتلال، مقابل "جندي المدفعية جلعاد"، عقب مفاوضات مطولة بين الجانبين، برعاية الوسيط المصري.

تحريك الملف

وبعدما تمكّنت كتائب القسام من أسر جنود "إسرائيليين" في العدوان الأخير على غزة، أرادت تحريك ملفّهم بعدما لاحظ أنّ حكومة الاحتلال تريد إبعاد النظر عنهم، وتهمل ملفهم بعيدًا عن جدول أعمالها، "لأنّها غير قادرة على دفع تكاليف الملف"، وفق مرداوي.

ولفت إلى أنّ القسام سعى في السابق إلى تسريب بلاغٍ عبر موقع "المجد" التابع له، تحت عنوان "رسالة تحاكي حال الأسرى الإسرائيليين المفترضين بغزة"؛ لإثارة المجتمع "لإسرائيلي"، وضغطه على حكومته لتخضع إلى شروط المقاومة الفلسطينية.

وكانت أولى ردود فعل المجتمع "الإسرائيلي" عقد والدة الجندي "شاؤول آرون"، صاحب الرقم (6092065) مؤتمرًا صحفيًا تطالب خلله رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو العمل على الإفراج عن ابنها بغزة، وتغيير التفكير واستراتيجيته، واتخاذ خطوات من شأنها أن تعيد "آرون" لعائلته، واعدة خلال حديثها بالضغط على حكومتها للتعامل مع "حماس".

وأشار مرداوي، إلى أنّ والدة "آرون" شعرت أنّ "نتنياهو" يتعامل بشكل التفافي مع ملف ابنها الأسير لدى القسام، ولا يضعه على أجندته الخاصة، لافتًا إلى أنّ هذا ما وضّحه خروجها عقب طلب رئيس وزراء الاحتلال شخصيًا منها عدم عقد المؤتمر.

عمليات تكتيك جديدة

وعلى ما يبدو أنّ القسّام غيّر عملية التكتيك في ملف الجنود الأسرى، من خلال تحرير معلوماتٍ قديمة من شأنها تحريك الملف، وإعادته للواجهة.

يقول مرداوي: "المعلومات التي يمتلكها القسام عن شاليط مثيرة للاهتمام؛ لكنّها غير مكلفة، فإذا حرر بعضها سيعمل على تحريك الملف، وإثارة المجتمع الإسرائيلي للضغط على حكومته، وإعادة الاهتمام بالقضية دون تكاليف".

ونوّه بأنّ تحرير معلوماتٍ عن "شاليط" لا يعبّر عن خسارة لدى القسام، "لأنّهم يكشفون عن معلوماتٍ سابقة حول جندي تمّ الإفراج عنه، وما تسعى له من هذه العملية؛ هو تأليب الرأي العام الإسرائيلي على حكومته، والبحث عن طرق ووسائل لتنفيذ صفقة جديدة بشروط القسام".

ومن الواضح أنّ احتفاظ القسام بالمعلومات عن الأسرى الجدد وعدم تحريرها، واختراق جدار الصمت، يفيد الأسرى، ويبقي أوراق متعددة من الممكن في المستقبل أن تكون عامل إسناد للمفاوض في صفقاتٍ مقبلة، ورافعة لتحقيق أكبر وأوسع أهداف يرجوها المجتمع الفلسطيني، وهو إطلاق سراح أكبر قدر ممكن من أصحاب الأحكام العالية من الأسرى الفلسطينيين.

ورأى المحلل مرداوي أنّ حكومة نتنياهو يسودها اليمين المتطرف الذي يحاول التنصل من أي صفقة، ويتهم من يعقدها بالتخاذل.

ويبدو أنّ رؤية القسام لملف الأسرى المعتقلين، يتمثل في أنّ أنجع وسيلة لتمريغ أنف حكومة اليمين، تكون من خلال تحرير بعض المعلومات التي تثير الجمهور "الإسرائيلي"، وتجميع شتاته ضدّ حكومته؛ لإركاعها أمام المفاوض الفلسطيني، والخضوع لشروطه.

البث المباشر