قائد الطوفان قائد الطوفان

السارقون والراقصون

رشا فرحات
رشا فرحات

رشا فرحات

رأيتها على باب بيتي، كنت خارجة وهي داخلة، أعرفها ولا أعرفها، وقد استغربت أنها تعرف المكان جيدا، وتكمل سيرها باتجاه باب البيت.

لم أكن أريد أن أكون فظة، في وجه فتاة كنسمة الصباح، تتمايل رقة بلباسها العصري، وشعرها المنسدل بحرية فوق أكتافها، مصرة على الدخول إلى بيتٍ أصحابه في الخارج، ماذا تريد من بيتي؟!

إلى إين تدخلين؟! هذا بيتي!

 ابتسمت متعجبة من سؤالي، قالت إنها استأجرت بيتي، لإعطاء دروسها في الرقص، لم أذكر اني عرضت بيتي يوما للإيجار وأنا على استغرابي تبسمت.   معلمة رقص ستستأجر بيتي، لتعطي دروسها، على أي حال هذا العرض ليس سيئا، والرقص هو في لنهاية ثقافة، وربما حسدني بعضهم، بيتي يدخل تاريخ الفن من أوسع أبوابه!

 فرحت فعلاً، وتلك الفتاة أعرفها جيداً راقصة بديعة الخطوات، طويلة القد، جميلة ومشهورة، ستعطي دروساً في بيتي، فرحة غمرتني، وتخيلت أولادي في بيت مليء بالرقصات، سينتعشون أكثر، وتلك الروح الساكنة الباردة بين جدراننا، ربما يحيها هذا الصخب المجنون، سرحت بتفكيري قليلاً، أنا أحمل فكراً تقدمياً، كان لابد لي ألا أتجاهل الرقص في حلقة التقدم السريع التي تحيطني.

الراقصة الجميلة كانت تغضب من كلمة راقصة، ككل الراقصات، ولم أجد لها مبررا لهذا الغضب، عذرتها أيضا، فهذا العالم الجاهل، لا يقدر الفن أو الفنانين، ولم أجد بديلاً للكملة، وهي لم تعترض، لكني رأيت معالم الغضب مرسومة على وجهها وهي تقول نادني باسم، ولا تناديني راقصة! الكلمة تعني بالضبط ما تفعله صاحبتها، فلماذا الغضب؟! وفي كل الأحوال، لست انا من وضعها، الراقصة منذ الأزل راقصة، وأعتقد أنها ستظل كذلك.

عرضت عليّ الانضمام إلى فريقها، عرضها أسعدني، أحتاج للرقص، للتحليق، بعيدا خارج هذه الدائرة الصلبة التي أحياها، في قبيلتنا لا مجال لذلك، ولكني ترددت، أسئلة دارت في عقلي، كيف سأقنع أطفالي ان ما أفعله عاديا؟! في داخلي تتضارب المعاني، رقص وراقصة، وأبنائي ينظرون من طرف العين، ينتظرون ردي، يصدقون ولا يصدقون، هل سأتحول إلى هذه الدرجة من الجنون؟!

رفضت محرجة، هل سيأثر ذلك على نظرة التقدميين إليّ، وهل يا ترى سيتهمونني بالجنون؟!

 اكتفيت بالمشاهدة من بعيد، خطوات الفتيات بدأت من غرفة أطفالي، وصوت الضجيج عم المكان، أبني يبحث عن باب يغلقه على دموعه، وابنتي كتابها في يدها لم تقلب صفحته منذ بدأت هذه الفرقة تدس ضجيجها بين جدراننا، والصغيرتان، تركضان مع صوت الموسيقى، احداهن قررت سريعا ًأن تصبح راقصة، والدها فتح فمه متعجبا، والقى بنظرة اللوم في وجهي.

الراقصون يتمددون بخطواتهم أكثر، خرجوا من الغرفة، رقصاتهم تزداد توسعاً، يتجولون في اروقتنا، في كل الغرف، بيتنا واسع، للركض، للأحلام، للحرب، فلماذا لا يكون واسعاً أيضاً للرقص؟!

أبنتي الصغرى انضمت إلى طابور الراقصين، دون إذني، نظرات زوجي تزداد حدة، بيتنا يتفجر مجوناً، تسقط دموع ابني على استحياء، يبحث عن مكان يداري فيه عينيه.

وأنا بنظرات خجولة، لا ألوي على أي قرار، لم أعد أدري ماذا أقول، لكن لماذا لا أرقص أيضاً، على هذا المسرح سيان الراقص والمتفرج!

البث المباشر