محمد أبو شماله –الرسالة نت
لم يسعف القدر المسن أبو رزق السماك أن يعيش إحياء ذكرى النكبة الثانية والستين هذا العام لأن الموت باغته ظهيرة السبت بعد ساعات من إدلائه بذكريات قاسية عاشها في العام 1948.
خلال اللقاء الذي استمر لساعتين كان الأمل معقود على جبين المسن الثمانيين ويشير إلى أن حلم العودة بات قريباً.
الحاج السماك"86 عاما" من بلدة الجماسين "قضاء يافا", يسكن مؤقتا كما أعرب قبل وفاته "للرسالة نت" في مخيم البريج وسط قطاع غزة, لم ييأس من الانتظار, فمسكنه الأصلي في بيته هناك, تحت ظل شجرة التوت التي اعتادت على جلساته في ظلها بعد شقاء العمل.
حكاية معاناة
استهل أبو رزق حديثه وهو يتذكر طرقات الجماسين وما يحدها, لكن موقف استوقف ذاكرته فيقول وهو يحمل مفتاح الديار "في بداية تهجيرنا طلب مني أحد المواطنين اليهود أن نبيع أرضنا, مقابل نقود كثيرة والعيش بهناء وترف وسلام ,فقلت له لن نتخلى عن شبر من أرضنا".
مع بداية اشتداد الخطر على الجماسين وقرى فلسطين من خطر اليهود عام 1948, يقول أبو رزق "بعد أن بعنا خضار مزرعتنا, وبعض الأبقار التي نرعاها, خرجنا من بيتنا وحملنا أشياء بسيطة أخذناها من البيت, منها بندقيتي وبغلتي, واتجهنا مسرعين إلى بلدة القبيبة على أمل العودة لبيتنا بعد أيام".
ويشير السماك إلى أنه خلال المكوث في القبيبة, كان يجلس في القهاوي ليستمع الأخبار, فمن بين الأخبار التي لم ينساها لعدم واقعيتها, عندما سمع خطابا للملك الأردني عبد الله الذي عين قائدا للجيوش العربية من المبعوث البريطاني حينها, وقال"اليوم الألسنة ستسكت والمدافع ستتكلم".
ويضيف أبو رزق إلى أنه حينما شعروا بالخطر الشديد, لكثرة مناوشات اليهود في القبيبة, رحلوا إلى المجدل, وسط مشقة ومعاناة سيرا على الأقدام, ومكثوا بها خمسة أشهر بعد أن تعرضت للقصف من قبل الطائرات الإسرائيلية.
ويتابع "حينها هرب الناس من بيوتهم تحت القصف والخوف, وخرجت وعائلتي لا نعلم إلى أين سيكون المرة الطريق ,فالمأوى قد سكنه اليهود, وبعد معاناة شديدة والسير الطويل, جلسنا تحت ظل شجرة في بربرة لنأخذ قسطا من الراحة وننام حتى الفجر".
ويذكر أبو رزق أنه وعائلته استيقظوا من نومهم تحت ظل الشجرة بعد الفجر ,ليكملوا الطريق باحثين عن مأوى يؤويهم, فاستمروا بالسير مشيا على الأقدام حتى العشاء إلى أن وصلوا مخيم جباليا في قطاع غزة ,ليجدوا من يؤويهم في تلك الليلة التي لم تمح من الذاكرة .
ويقول "مكثنا في جباليا ليلة واحدة, ثم خرجنا فجر اليوم التالي, متجهين إلى مدينة غزة, ومن ثم إلى مخيم البريج, إلى بيت رجل كان يعمل معنا في المجدل, فوصلنا المخيم ونصبنا خيمة صغيرة هناك وسط خيم عديدة أقامتها وكالة الغوث للاجئين بمساعدة مصر".
ويوضح السماك أن الوكالة جلبت خيمة واحدة لكل عائلتين, وقدمت خدمات تموينية للفلسطينيين الذين باتوا لاجئين مغتربين عن وطنهم المسلوب ظلما وقسرا حتى يومنا هذا.
حق طبيعي
ويعرب أبو رزق عن فخر فلسطين بأبطال الثورات الذين دافعوا عنها أمثال القسام والحسيني, لكن الذي غير معادلة الانتصار, الجيوش العربية التي خذلت الفلسطينيين ومهدت لدخول اليهود إلى فلسطين, وهم يرددون "اليهود بوخدوا أراضي فلسطين في الليل, واحنا بنوخدها بالنهار".
ويقف الحاج بثقة عالية وهو يحمل الأوراق التي تثبت ملكية أرضه في بلدته الجماسين, ويقول "نحن مصرون على العودة ولن نتنازل عن حقنا الطبيعي, ونطالب إلى جانب حق العودة, بتعويض الشقاء الذي عذبنا أكثر من ستين عاما".
اعتراف مزيف
ويتعجب السماك من الذين ينادون بالاعتراف بـ(إسرائيل) والمطالبة بمفاوضات تمحو حق العودة, فيقول "هل نعترف بتقسيم عام 1947م, أم نكبة 1948م ,أم نكسة 1967م, أم (إسرائيل) ما بعد أوسلو, أي إسرائيل يريدون منا أن نعترف ونبيع أراضينا ".
ويوجه الحاج أبو رزق بعد 62 عاما على ذكرى النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني رسالة إلى الأجيال القادمة,أن لا تفرط بشبر من الأرض, وتتنازل عن الثوابت, ولا تضيع حقا سعيه يكون بالمقاومة والصبر, فالعودة إلى الديار أمر حتمي لا محال .
يذكر أن وعد بلفور الذي صدر عام 1917م من بريطانيا كان سببا في سلب أراضي الفلسطينيين, وحرمانهم منها, ليخرجوا منها قسرا وسط معاناة نسجتها مؤامرة دولية, لتكون فلسطين هدية لليهود.