دخلت السعودية وإيران منحى خطير من العلاقات المتدهورة بين البلدين منذ عقود، لكن اعدام السعودية نمر النمر كانت القشة التي استغلتها كلا الدولتين لتضع حداً فاصلاً تقطع من خلاله العلاقات، وتحاول كل منهما محاصرة الأخرى عبر الحلفاء في المنطقة.
الحرب الباردة هو أقرب توصيف للحالة بين طهران والرياض، رغم أنهما تخوضان فعلياً حرب حقيقية على أكثر من جبهة في المنطقة أبرزها سوريا واليمن.
وتقود إيران تحالف يضم كلاً من بشار الأسد وحزب الله وبعض الجماعات الشيعية في العراق، بينما اعلنت السعودية مؤخراً عن تشكيل تحالف سني يضم أكثر من 30 دولة.
ويبدو أن التحالفات وهي "موضة دولية" حالياً باتت أبرز أداة تستغلها الدول المتصارعة، وكل من إيران والسعودية تحاول ان تحشد أكبر قدر من الدول خلفها لمنحها غطاء للحرب.
وامام هذا الواقع الاقليمي لا يمكن تجاهل ان القضية الفلسطينية تتوه في أتون تلك الحروب، خاصة أن السلطة الفلسطينية حسمت خيارها واصطفت إلى جانب السعودية في التحالف الذي أعلنت عنه الأخيرة، بينما تحاول حماس أن تسير على خيط رفيع جداً بين التحالفات والمحاور في المنطقة وأن تمسك العصا من الوسط وتبتعد عن كل المحاور على أمل أن تستفيد من الجميع على اعتبار ان القضية الفلسطينية بحاجة لهم.
لكن مع تعقد الأوضاع في المنطقة تبدو مهمة حماس أكثر صعوبة "ففي المعارك الكبرى لا تُقبل المواقف الرمادية" بحسب جمال خاشقجي الصحفي المقرب من دوائر صنع القرار في السعودية.
وهنا تكمن خطورة مهمة حركة حماس في الموائمة في علاقاتها بين جميع الدول والبعد عن المحاور، ويكفي التذكير برسالة التعزية التي أرسلتها حماس عقب اغتيال القنطار والتي فجرت موجة غضب وانتقادات واسعة للحركة خاصة من المحسوبين على محور السعودية، بينما حركت إيران أذرعها الاعلامية عدة مرات سابقاً ضد حماس خاصة بعدما أدانت التحرك الحوثي ضد الحكومة الشرعية في اليمن.
هذان الموقفان على بساطتهما وردود الفعل عليهما يمكن أن يعكسان حقل الالغام الذي تسير فيه حماس في علاقاتها بين دول المنطقة، خاصة في ظل تعقد الأوضاع الاقليمية وتأجج الصراع على أكثر من محور ووصول الصراع لدرجة من الحدة غير المسبوقة وهو ما جعل السعودية تتبنى سياسية من ليس معنا فهو ضدنا.
وخرجت تسريبات تتحدث عن محاولة إيران استقطاب حركة حماس إلى جانب حلفائها المركزيين في المنطقة٬ كالنظام السوري وحزب الله اللبناني؛ من أجل دعم مواقفها في مواجهة السعودية".
وكشفت مصادر لصحيفة الشرق الأوسط عن اجتماع عقد في الرابع من يناير، بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وممثل حماس في طهران خالد القدومي للبحث في علاقات الجانبين، بعد تدهور علاقات إيران مع دول الجوار.
وتقول المصادر، إن "ظريف عرض على القدومي أن تعلن حماس موقف سياسي رسمي ضد السعودية، مقابل أن تلبي الأخيرة مطالب حماس كافة٬ ومنها الدعم المالي الثابت والدائم"؛ لافتةً إلى أن "إيران غاضبة جداً من موقف الرئاسة الفلسطينية بإعلان الدعم للسعودية في قراراتها الأخيرة".
وبحسب صحيفة "الشرق الأوسط"، فإن "حماس تريد استئناف الدعم المالي الإيراني؛ لكنها لا تريد خسارة العالم السني الذي تنتمي إليه. وهي تسعى -منذ وقت طويل- لمد الجسور مجدداً مع طهران، بشكل يعيد لها الدعم المادي الكبير دون التطلع إلى أخذ أي مواقف سياسية منها".
ولا تخفي حماس رغبتها في اعادة العلاقات مع كل من طهران والرياض دون تقديم مواقف سياسية لكن الأوضاع في المنطقة تدفع كل من الطرفين إلى محاولة استغلال القضية الفلسطينية وفصائل المقاومة وعلى رأسها حركة حماس على اعتبار انها رافعة وورقة قوة تسعى جميع الاطراف لضمها إلى تحالفها.
وهنا تبدو خيارات حركة حماس محدودة لكن أبرز ما يمكن ان تمارسه الحركة للابتعاد عن المحاور والاصطفافات أولاً: أن تلعب دور الوسيط وان كان هذا الدور تلعبه دائماً الدول لكنها يمكن أن تطرح وساطات وتقدم خطاب اعلامي يحاول نزع فتيل الحرب.
ثانياً :أن تحاول اعادة البوصلة لطريقها الصحيح من خلال التأكيد على أن (إسرائيل) هي العدو الأول وأن أي حرب اقليمية فإن المستفيد الأول منها الاحتلال (الإسرائيلي).
وما يزيد من الألغام الموضوعة في طريق حماس هو التغيير الكبير الذي طرأ على المفاهيم والمبادئ الأساسية فكثير من الدول العربية لم تعد ترى في (إسرائيل) العدو الأول للعرب واستبدلتها بإيران، وباتت تعطي الحرب على الأخيرة أولوية قصوى في حين قد تتفق مصالح بعض الدول مع الاحتلال (الإسرائيلي) في بعض الملفات في مفارقة غريبة.
كما ان المتغيرات الدولية والإقليمية أزاحت فلسطين عن عرشها كقضية أولى للعرب الغارقون حتى آذانهم في قضاياهم الداخلية وملفات المنطقة الملتهبة.
هذا الواقع لا يفرض على حماس أو غيرها من الأطراف الخروج بمكاسب أو خسائر وانما النجاح والانجاز الحقيقي هنا هو الخروج بأقل الخسائر من حرب ضروس بين دول المنطقة المستفيد الأكبر منها الاحتلال (الإسرائيلي).