قائمة الموقع

عودة.. ابتسامته معلقة على الجدران ووالده الأصم يفتقد اشاراته

2016-02-01T17:12:13+02:00
الشهيد نضال عودة
الرسالة نت- شيماء مرزوق

صوت الرعد والمطر أيقظه من غفوته فخرج من تحت غطائه يبحث عن زوجته وطفله ليعطيه قبلة الصباح، فهدته ضحكات صغيره جمال ابن العشرة أشهر لمكانهما، فداعبه قليلاً ثم قال "فاطمة بدي أفطر فلافل".

لم يقبل أن تعد زوجته الفطور قبل أن تبدل ملابس الصغير ووقف بجوارها يداعب جمال ويقبله ويغمض عينيه ليستمتع بيديه الناعمتين وهي تلامس لحيته قبل أن يقطعها زامور الباص فاحتضن طفله وألقى التحية على والدته وسألها الدعاء له ثم خرج مسرعاً دون أن يتناول آخر إفطار أعدته زوجته له.

اللحظات الأخيرة لنضال ابن 23 عاماً في بيته بقيت حاضرة في ذاكرة أسرته التي أهداها فخرها به القدرة على الصمود وتحمل ألم الفراق.

كجبل شامخ وقفت أم نضال في عزاء بكرها الشهيد تستقبل المعزين وكلمات الحمد لا تفارق لسانها، وفي حديثها عن لحظات الانتظار ما بين الموت والحياة غلبها الاحساس بأن ابنها لن يدخل بيته مرة أخرى إلا شهيداً.

عدنان شقيق نضال كان أول من علم بخبر غرق النفق الذي يعمل به الشهيد وقضى ليلة الثلاثاء في انتظار خبر يثلج صدره، لكن الساعات كانت تسير متثاقلة حتى رن جرس هاتفه المحمول لينقل له خبر الشهادة.

والدة الشهيد ما فتئ لسانها يلهج بدعاء الرحمة والرضى لولدها خلال حديثنا مع زوجته لكن قلبها ينفطر لأن عدنان سيبقى وحيدًا دون توأم روحه نضال.

العشرينية فاطمة زوجة الشهيد ألقت بهومها على صدر والدته التي احتضنتها وهي تستذكر لحظات الوداع، وقد لامست براحة يدها جبينه التي امتلأت بالطين، قائلة "رغم كل الألم الذي أشعر به لكنني أحمد الله ولم أكن أتخيل أني سأصبر على خبر استشهاد زوجي هكذا"، ثم رتبت على كتف أمه "هي من صبرتنا وأخذت بيدنا جميعاً لنتحمل الفاجعة".

عائلة نضال ما فتئت تدعو له بالرحمة وتعبر عن فخرها به، إلا والده الذي منعه الصمم من البوح بوجعه على فراق ولده حتى سقط مغشياً عليه عندما أيقن أنها المرة الأخيرة التي يرى فيها فلذه كبده وطبع على جبينه قبله الوداع.

نضال كان دائم الجلوس مع والده ومحادثته بلغة الإشارة التي أتقنها، فقد كان الأكثر قدرة على التفاهم معه والفضفضة فيما بينهما.

وتقول والدته أن نضال كان يمازح والده باستمرار ويأخذ منه المشورة حتى فيما يتعلق بعمله وجهاده، وتضيف:" أبو نضال كان يمسك بسلاحه ويطلب منه ان يعلمه القتال".

نضال لم يجد يوماً من والده إلا التشجيع على الطريق التي اختارها لنفسه لكن خبر استشهاد نضال وقع كالصاعقة عليه وجعله أصم حتى عن الاشارة".

ابتسامة نضال الجندي المجهول في حرب الإعداد وحدها ستبقى حاضرة على جدران منزله، وهي من سيتوقف أمامها طفله جمال طويلاً كل يوم يداعبها ويبادلها الابتسامة.

نضال الذي انضم إلى كتائب عز الدين القسام وهو ابن السابعة عشر ربيعاً شارك في حربي حجارة السجيل والعصف المأكول، وكان يخرج أيام طويله دون ان يتمكن من طمأنه عائلته عنه، وبعد انقضاء الحرب يعود للمنزل لينام عله يعوض شيء من تعب الليالي التي قضاها ساهراً على ثغور الوطن.

وما بين الحربين كان الاعداد هو الجهاد الأكبر الذي شارك به نضال رفاقه فحفروا الأرض بأدوات أبسطها أظافرهم.

الحفر المظلمة لم ترعب يوماً نضال الذي نال من اسمه نصيب وشارك رفاقه أجمل الذكريات. باطن الأرض احتضنهم أحياء ومنحهم الدفء من برد المنخفضات والأمطار، وكأنهم يحفرون نفقاً نحو السماء ليخرجوا منه شهداء. 

الشهيد الذي تشابكت يديه مع أيدي الشهداء الستة عندما تناوبوا على الضرب بالمعول ليحفروا الصخر باحثين عن النصر وهم على يقين انه لن يأتي إلا بعدما يتصبب هذا الشعب عرقاً للإعداد كما ينزف دما وقت الحرب.

فاضت المياه لتغرق النفق وبقيت الأيدي متشابكة ليكونوا رفاق الشهادة كما كانوا رفاق الاعداد ورجال الأنفاق. 

أخواته الثلاثة بللت الدموع وجوههن وكن الأقل قدرة على تحمل الفاجعة، وبدا احتضان جمال الصغير أكثر ما يمنحن الصبر على الفراق وهن يسردن ذكرياتهن وأجمل اللحظات مع الشهيد.

في حين تسرد أم نضال ذكريات فلذه كبدها الذي كان يمازح أخواته ويملئ البيت بضحكاته معهن كطفل مدلل، " المزاح كان سمته والابتسامة لا تفارق وجهه"، " عمله وجهاده لم يمنعاه من اعطاء أسرته فائض الحنان الذي يملئ قلبه وخاصة عندما رزق بجمال".

وتستذكر اللحظات التي كان يعود فيها نضال من عمله ويفتح الباب برفق خشية أن يؤذي صغيره الذي يحبو في المنزل باحثاً عنه، وبمجرد أن يلمح ثغره الباسم يركض عليه ليحتضنه ويردد على مسامعه "بابا".

ضمت أم نضال حفيدها إلى صدرها قبل أن تقول "سأربيه على نهج نضال ليكون مقاوم يفخر بوالده ويعلم أنه مات شهيداً وكان على درب الجهاد".

اخبار ذات صلة