قائد الطوفان قائد الطوفان

الشهيد غزوان.. رائحة المسك" دلّت على جثمانه" ودفن مع "صندوق أسراره"

الشهيد غزوان الشوبكي
الشهيد غزوان الشوبكي

غزة- محمود هنية

اختفت آثاره تماما ولم تفلح كل محاولات العثور على جثمانه بعدما نجحوا في العثور على جثث اصدقائه الستة الآخرين رفقاء الدرب والدم، وانتشلوها من تحت ركام النفق الذي ينخفض عن الارض ثلاثين مترًا.

كاد القدر أن يجعل من جثمانه سرًا مختفيًا كما كان طيلة حياته كتومًا مودعًا بالأسرار، غير أن تراب الأرض بعثت برائحة تسللت من بين ذراته، كانت دليل محبيه الى جثمانه، رائحة تفوح بمسك الدم والشهادة، ليجدوه ساجدًا وكان آخر عهده بالحياة، مخضبًا بالدم والطين وماء فلسطين.

هنا ليست قصة محبكة من دراما تلفزيونية، إنما هي واقعة الشهيد غزاون خميس الشوبكي أحد أقمار غزة السبعة الذين ارتقوا بفعل انهيار نفق للمقاومة اثناء عملية ترميمه، حيث كان آخر الشهداء الذين عثروا عليهم مستدلين عليه برائحة المسك، كما روى شهداء الموقف لأمه واخبرت هي "الرسالة" بتفاصيلها.

اسمه غزوان، وله من اسمه نصيب، في كفه حمل روحه وفي كفه الأخر صك بيع لكل ما في هذه الدنيا من شهوات، سعادة هذا الشاب تمثلت في نفق يشقه تحت الأرض، وفي كل يوم يكبر هذا النفق أكثر، يزداد الفخر في قلبه أكثر.

"تعال يما ابوسك"، لم تعرف أمه السر الذي دفعها لطلب ذلك من نجلها، قبل مغادرته للبيت كما العادة، لكنه لم يتوانَ عن القبول مع حمرة اعتلت وجنتيه، معتبرا اياها علامة رضا.

"أمي هل انت راضية عني"، كان سؤاله الدائم واللحوح على أم تصفه بـأنه أكثر أبنائها برًا فيها، من يقبل رأسها، ويحنو على كتفها، ولا يحلو النوم الا بين احضانها، لترضى عنه ويقتبس من نورها ما يشبعه ليستكمل طريقه.

وتقول أم الشهيد غزوان، إن رحيل ابنها شكل صدمة غير عادية على الأسرة، التي دهمها خبر استشهاده كما أنه لو كان زلزالًا، فهو نبأ كانت العائلة تتوقعه لكنها كانت تمني نفسها بأن يكون بعيدًا وليس بهذه السرعة.

فهي التي ربت رجلا يدافع عن وطنه، وعزاؤها هي سيرته ومسيرته، حيث أنه أوشك أن يحصل على سند في القرآن الكريم، وتبقى له جزء واحد من القرآن كي يختمه، كما تشير أمه.

وقد أكدّت كتائب القسام الذراع العسكرية الذي ينتمي اليه الشهيد، دور غزوان واشقائه الشهداء الستة في تنفيذ عمليات جهادية ضد الاحتلال، أوقعت فيه قتلى وجرحى، وكان الشهيد من صفوف النخبة القسامية تلك التي ضلعت في مواجهة الاحتلال وقتل جنوده من مسافة صفر وخلف خطوط العدو.

غادر "الابن المرضي" سريعًا، في موقف جلل لاسيما وأن عائلته كانت تنتظر أي بصيص امل يخبر بنجاة ابنها من حادث انهيار النفق.

واكتفى والد الشهيد بالإشارة الى أن ولده كان عنوانًا تشير اليه العائلة وحتى جيرانه ويلجؤون اليه للمساعدة، لعلمهم بنخوته وعطائه، عدا عن تميزه الخاص بالهدوء والرصان الذي تكاد تفتقده في اقرانه من سنه.

ويردف والده: "كانت رسالته وأهدافه أن يكون من رجال المقاومة الثابتين على هذه الأرض، حتى دحر الاحتلال".

ويضيف والده "لم نشعر يومًا أنه صغير"، بل كان دومًا السند الذي نرتكز عليه، وكان رجلًا في كل مهمة تسند اليه، ولم يترك احدًا ممن عرفه الا وحاز المحبة في قلبه.

قلب غزوان حاز على مساحة واسعة لرفيق دربه ومودع اسراره الشهيد عمر قاسم، الذي ارتقى معه في النفق، ليشكل معه ثنائي فريد في العلم والعبادة والجهاد، "لا تكاد تجدهما متفرقين"، كما يقول ابن عمه فريد "للرسالة".

ويروي فريد أكثر موقف أدخل السعادة الى قلب الشهيد غزوان هو عندما نجح قبل شهرين في اقناع أحد شبان الحارة للالتزام في الصلاة بالمسجد وحلقات تحفيظ القرآن، ويؤكد بأن هذا الموقف كان أكثر ما أسعده.

رحل غزوان طالب كلية الشريعة والقانون، فسار على الشريعة الإسلامية، وكان متقنًا في تنفيذ القانون الذي يفهمه الاحتلال، قانون الدم والنار الذي ينتزع من خلاله حق سليب، ظن العالم أنه لن يعود!

 

 

البث المباشر