لم تكن العملية البطولية للشهيد أمجد السكري بالحدث العابر بالنسبة للاحتلال الصهيوني وأجهزته الأمنية، بل شكلت العملية هاجسا كبيرا لهم، وشغلت مراكز التفكير واتخاذ القرار في المؤسسة الأمنية والسياسية الصهيونية لخطورتها على الأمن العام وأمن قوات الاحتلال ومستوطنيه.
الخطورة تكمن في أن العملية جاءت على يد احد أفراد أجهزة الأمن الفلسطينية كون هذه الشريحة من الفلسطينيين تملك أسلحة رشاشة وغير المشكوك فيها من الاحتلال والمرخصة والمشروعة من وجهة نظره إلى جانب أن هذه الفئة مدربة تدريبا عالي المستوى، حيث تلقوا تدريبات على أيدي خبراء عسكريين أمريكان وغربيين وعرب بقيادة الجنرال الأمريكي (كيث دايتون)، والذي اشرف على إعداد وتدريب هذه الأجهزة بعد فوز حماس في انتخابات 2006 كمحاولة من الرباعية الدولية والرباعية العربية من اجل العمل على إنهاء ما ترتب على فوز حماس ولو بالقوة والتي ثبت فشلها.
المتابع لما نشر بعد العملية على ألسنة قادة الاحتلال ومعلقيه العسكريين يدرك حجم القلق الذي انتاب الاحتلال، والخوف في المستقبل على أمن الاحتلال ومستوطنيه من تكرار مثل هذه العملية من قبل عناصر أمنية فلسطينية على خط المواجهة مع الاحتلال، وهذا الاحتمال لم تستبعده أجهزة المخابرات الصهيونية؛ ولكن كمرحلة متقدمة فيما لو استمرت انتفاضة القدس فترة أطول ومع استمرار جرائم الاحتلال وخاصة الإعدامات الميدانية وإعدام النساء والفتيات، لأن هذه القضية حساسة بالنسبة للفلسطينيين، وهي إلى جانب جرائم الاحتلال المختلفة وهي ستدفع عناصر وطنية شريفة وهي كثيرة داخل الأجهزة الأمنية الفلسطينية الأمر الذي سيغير المعادلة على الأرض في المواجهة الدائرة بين الفلسطينيين والاحتلال، وهذا يردنا إلى انتفاضة الأقصى والتي دخلت عليها عمليات عناصر الأمن بقوة إلى جانب قوى المقاومة المسلحة وعندها شاهدنا توازن المعادلة في الخسائر البشرية في صفوف الاحتلال والذي استنجد بالمجتمع الدولي لحمايته وكيف تآمر على الراحل ياسر عرفات والقصة معروفة للجميع.
هذه العملية خلطت أوراق أصحاب مشروع التنسيق الأمني الذين يعتمدون في نشاطاتهم الأمنية على عناصر الأجهزة الذين ظنوا أنهم صنعوا منهم الفلسطيني الجديد الذي أُعد لمحاربة المقاومة الفلسطينية، وحماية أمن الاحتلال ومستوطنيه فخرج أمجد ليضرب بالمعول الأول في هدم نظرية التنسيق الأمني، وهذه العملية فتحت الباب واسعا أمام العديد من عناصر الأجهزة الأمنية والتي نعتقد أن منهم من وصل إلى مرحلة متقدمة في التفكير الجاد بالقيام بما قام به أمجد ففيهم من لا يقل وطنية عن أمجد سكري.
هذه العملية شكلت صفعة على وجوه قادة التنسيق الأمني ورجالاته وعلى رأسهم كبيرهم محمود عباس الذي تفاخر بأنه على مدار الساعة ينسق عبر مندوبيه من قادة الأجهزة الأمنية المختلفة مع الاحتلال الإسرائيلي حماية له، معتبرا أن التنسيق الأمني مقدس ولا غنى عنه للسلطة الفلسطينية بحجة حماية المصالح العليا للشعب الفلسطيني؛ وكأن التعاون مع الاحتلال يخدم الشعب المحتل، معادلة ساقطة تدل على سقوط من يروج لها ويعتنقها.
السكري بعمليته قد يفتح أبواب جهنم على الاحتلال لو حذا حذوه المزيد من عناصر الأجهزة الأمنية وسيدخلوا الانتفاضة في طريق مختلف وبمعادلة مختلفة يخشاها الاحتلال وأصحاب مشروع التعاون الأمني.
السكري الوطني البطل وحده، وأنا على يقين أن مثله الكثير الذين لم يفقدوا وطنيتهم وفلسطينيتهم بل هم ينتظرون اللحظة المناسبة التي يعلون فيها من شأن هذه الوطنية وهذا الانتماء لفلسطين بعد أن اكتشفوا حجم الخداع والتضليل الذي مورس عليهم لنزعهم من فلسطينيتهم ووطنيتهم.