لا شك أن انخرط عناصر السلطة الفلسطينية في انتفاضة القدس الحالية يُشكل قفزة نوعية قد تُدخل الانتفاضة مرحلة جديدة من العمل المسلح.
وإن كانت عمليات أفراد الأجهزة الأمنية محدودة حيث تعد عملية الشهيد أمجد السكري الثالثة منذ بدء الانتفاضة، إلا أن دخول بعض أفراد الأجهزة الأمنية في الضفة المحتلة، وإن كان بشكل فردي، سيناريو مرُعب تخشاه (إسرائيل) التي عملت على تغيير عقيدة أفراد أجهزة السلطة من خلال ما أطلقت عليه "اصلاح القطاع الأمني" الذي أشرف عليه بشكل مباشر الجنرال الامريكي كيث دايتون خلال السنوات الماضية.
وما يؤكد ذلك نقل القناة العبرية الثانية، عن ضابط كبير في قيادة المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال، قوله إن انضمام بعض عناصر الأمن التابعة للسلطة لدائرة العمل العسكري ضد (إسرائيل) يجعل العمليات أكثر فتكا، على اعتبار أن هؤلاء يملكون أسلحة نارية.
وحذر الضابط الكبير من أنه في حال تحول انضمام عناصر الأمن لدائرة العمليات إلى ظاهرة فإن هذا يحمل في طياته خطر انهيار منظومة التعاون الأمني، بما يؤدي إلى توقفه، مع كل ما يترتب عن ذلك من مضاعفة الأعباء على كاهل الجيش الإسرائيلي.
ثقافة دايتون فشلت
ويرى الكاتب والمحلل السياسي محسن أبو رمضان، أن محاولات "دايتون" خلق الانسان الجديد بتدوير ثقافة افراد الأجهزة الأمنية وترسيخ ثقافة التنسيق مع الإسرائيلي على حساب حقوق الشعب الفلسطيني وقضاياه فشلت، بعد عملية "السكري".
وأكد أبو رمضان في حديثه لـ"الرسالة" أن انخراط المزيد من عناصر الأجهزة الأمنية مرهون باستمرار اعتداءات وجرائم الاحتلال اليومية التي يرتكبها بحق الفلسطينيين، مبيناً أن تلك الحادثة قد تتكرر في الأيام المُقبلة.
فيما وصف عاموس هارئيل، معلق الشؤون العسكرية في صحيفة "هآرتس" انضمام عناصر الأمن لعمليات المقاومة بـ"السيناريو المفزع" الذي يقلص من قدرة الجيش الإسرائيلي" على المناورة.
وكان الشهيد "السكري" وهو أحد ضباط أجهزة السلطة، نفذ عملية إطلاق نار الأحد الماضي، على حاجز "بيت ايل" العسكري قرب رام الله أسفرت عن إصابة ثلاثة جنود إسرائيليين.
ومن المهم ذكره أن انخراط عناصر الأجهزة الأمنية في الانتفاضة الثانية شكل تحول نوعي في نقل الانتفاضة من الحجر إلى العمل المسلح، ودفع حكومة الاحتلال آن ذاك إلى اقتحام مدن كبرى في الضفة المحتلة وتدمير مقرات السلطة وصولاً لاغتيال رئيس السلطة ياسر عرفات.
تطور نوعي
ويتفق الكاتب والمختص في الِشأن الإسرائيلي أكرم عطا الله مع سابقه، منوهاً إلى أن تكرار تلك الحادثة يعني تطور نوعي وكبير لانتفاضة القدس ودخولها مرحلة العمل المسلح؛ كون أن أفراد السلطة مدربين ومحترفون بإطلاق النار.
وأوضح عطا الله لـ"الرسالة" أن العملية الأخيرة جاءت بدافع فردي وليست في اطار توجه عام من قبل الأجهزة الأمنية كما كان بداية الانتفاضة الثانية حينما انخرطت الأجهزة بقرار وتعليمات غير معلنة؛ مما لا يؤثر في طبيعة المعادلة القائمة بصورة كبيرة، على حد وصفه.
وأشار إلى أنه من الصعب الفصل بين عناصر الأجهزة الأمنية والشعب كونهم جزء منه، مبيناً أن اعتداءات الاحتلال تستفزهم وقد تدفعهم للقيام بعمليات ضد الاحتلال بدافع انتقامي.
منع تكرارها
وفي ذات السياق، كشفت القناة العبرية العاشرة عن أن قيادة السلطة في رام الله قررت اتخاذ إجراءات خاصة بشأن حمل عناصرها الأسلحة، والخروج بها من المقرات الأمنية.
وأكدت القناة أن الإجراءات تشمل منع حمل السلاح خارج أوقات الدوام الرسمي، وتركها داخل المقار الأمنية.
وبالعودة إلى أبو رمضان فقد عقّب على ذلك قائلاً "إن السلطة تعمل على منع تكرار عملية الشهيد " السكري" وتحاول احتواء تلك الظاهرة".
ولفت إلى أنها لن تستطيع ضبط مشاعر عناصر الأجهزة الأمنية لوقت طويل، لاسيما مع استمرار جرائم الاحتلال التي ستؤدي لردود فعل غاضبة تُخرج جميع الفلسطينيين عن السيطرة وليس أفراد السلطة فقط.
تحول "دراماتيكي"
وتوقع الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل أن تشهد الأيام المٌقبلة عمليات مماثلة وانخراط مزيد من أبناء السلطة وهو ما تخشاه حكومة الاحتلال بالفعل.
وبيّن عوكل في حديثه لـ"الرسالة" أن عملية "بيت ايل" تعني أن عقيدة التنسيق الأمني التي تم تعبئة الأجهزة الأمنية بها، لم تؤثر على طبيعة تفكير الأفراد واقتصر نجاحها على قيادة الأجهزة فقط.
ويتفق المختص في الشأن الإسرائيلي عدنان أبو عامر مع سابقيه، مُشيراً إلى أن انخراط عناصر أمن السلطة في الانتفاضة وإن كان بشكل فردي يٌعد تحول "دراماتيكي" في مسار انتفاضة القدس ويساهم في تصاعدها بشكل كبير.
ويؤكد أبو عامر لـ"الرسالة" أن ذلك التحول إن استمر سيدفع حكومة الاحتلال لردود فعل كبيرة على غرار السور الواقي ومحاربة السلطة واقتحام مقراتها كما حصل في الانتفاضة الثانية.