قائمة الموقع

أمّ أحمد الزهار: عشقت رائحة طين الأنفاق من ملابس نجلي

2016-02-08T10:15:33+02:00
الزميل محمد أبو زايدة يحاور عائلة الشهيد أحمد الزهار
غزة-محمد أبو زايدة

ارتدى ملابس المُحاماة صباحًا؛ مُتجهًا إلى عمله، ومع انتهاء دوامه لم يعد إلى بيته، وأكمل طريقه إلى "عين النفق" ليحفر أحمد الزهار (23 عامًا) مدينة تحت الأرض تساهم في رسم معالم النصر بأي معركة مقبلة مع الاحتلال الإسرائيلي.

"يخرج في الثامنة صباحًا لا يعود إلى البيت، بل يكمل طريقه اتجاه النفق الذي أوكلت كتائب القسام الشهيد مهمّة حفره مع ثلّة من أبناء حيّه". يقول شقيقه البكر محمد (30 عامًا).

"الرسالة" توجّهت إلى بيت عائلة الزهار لتنقل حكاية شابٍ لا يظهر في صوره إلّا متبسمًا، فاستقبلتنا عائلته والابتسامة لا تفارقها، وعلِمنا أثناء اللقاء أنّ كرامات ابنهم الشهيد أحمد أعادتها إلى وجوههم بعدما أخبرهم أكثر من رفيقٍ له أنّه رآه في المنام.

جلسوا جميعًا على صوت زخّات الأمطار؛ يروون مناقب أحمد، يضيف شقيقه محمد: "في أوّل التحاقه بالعمل العسكري لكتائب القسام، طلب مشورتي فوافقته، وبدأ مشواره الدعوي والجهادي منذ ما يزيد عن أربع سنوات".

وظهرت على أحمد علاماتُ النبوغ في أوساط مجموعته، وحبّه امتشاق السلاح، والتدرّب عليه، إلى أن طلب من شقيقه محمد -الذي يسبقه خبرة في هذا المجال- الانضمام إلى دورة عسكرية في هذا المجال، وكان ذلك وتفوق على مجموعته بعدما أتقن فنون القتال والرماية، وكُلّف فيما بعد بمسؤوليته عن وحدة الدروع في مجموعته.

ولم يتوقف عمله عسكريًا، بل حتّى في أيام اجازته كان يرعى الدواب مع عائلته، يقول شقيقه محمد: "أوّل ما يصل البيت يتوجّه مباشرة إلى الأغنام، يلاعب صغارهن حتى اعتادوا عليه، وما إن يأتي يركضن اتجاهه ويبقى مدة يداعبهن، ثم يدخل البيت متبسمًا، ومتناسيًا تعبه الجسدي".

وفي آخر أسبوعين له، لم يستطع أن يلتقي أحدًا من أفراد عائلته إلّا بعد صلاة الفجر؛ أثناء عودتهم إلى البيت، وذلك لشدّة انشغاله، وفي حديثٍ مع والدته عن زواجه، قال لها: "يا أمّي الدُنيا فانية، ولن أستطيع الزواج من بناتها، فهدفي الآخرة".

وفي صباح أحد الأيام، خرج من بيته مقبلًا جبين أمّه وأبيه، مُتجهًا إلى عمله، طالبًا الدعاء، فكان ردّ والده: "الله يسهل عليك ويرزقك من حيث لا تحتسب".

ومع انتهاء دوامه في المُحاماة، اتجه إلى نفقٍ برفقة مجموعته، وغيّر ملابسه وأخذوا يرتلون القرآن أثناء الحفر في قاع الأرض، وأثناء استراحتهم التي لم تتجاوز ربع ساعة، أنشد أحدهم "حور العين تناديني"، فتبسّم أحمد وقال له: "في الجنّة أعظم من الحور العين.. النظر إلى وجهه الكريم".

وعلى وقع كلمات أحمد انتهت استراحتهم، وعادوا للعمل من جديد، ولكنّ النفق انهار عليهم، فنجت المجموعة، وبقي أحمد ورفيق دربه فؤاد أبو عطيوي داخله، وفقدت المجموعة الاتصال بهم، إلى أن عثروا عليهم أثناء البحث "شهداء".

وفي داخل بيته، تسرّبت أخبار انهيار نفقٍ تابع لكتائب القسام في مدينة الزهراء وسط قطاع غزة، إلى أمّه، فانقبض قلبها، وكأنّها شعرت برحيل نجلها أحمد، فاتصلت بشقيقه البكر محمّد، الذي قال لها: "يا أمّي سامحيه وادعيلو.. ربنا اصطفاه من الشهداء".

تلقّت الخبر بعبارات الحمد والشكر، لكنّ ابتسامة أحمد غابت عن البيت، تقول أمّه: "منذ استشهاد السبعة من القسام شرق غزة بانهيار نفق، كان قلبي مقبوضا، وأدعو لأحمد مع كلِ قيام ليل أن يحفظه الله، ويختار له الأفضل.. والحمد لله حصل على أمنيته".

ولم تنسَ ملابس نجلها التي كانت تعود إليها ملآى بطين الأنفاق، تضيف: "عشقت رائحة طين الأنفاق من ملابس أحمد، وكُنت كلما غسلتها بيدي، أغنّي له، حمود يا حبيبي يا آخر العنقود، يا سكر معقود، يلي قلب أمك يدعي لك، وما يصمت بنوب".

وبعد مواراة أحمد الثرى، عاد شقيقه محمد إلى بيته، لكنّ أصوات الأغنام شدّته، فذهب إليها يتفقد أحوالها، ويصف المشهد بالقول: "عجبت لأمر الأغنام، اقتربت مني على غير العادة، وبدأت تمسح رؤوسها.. وجدت في عيونها المواساة والاشتياق لأحمد".

والجميع في هدوءٍ وسكينة ودعاءٍ للشهيد، واستقبال المهنئين، وبعد ساعاتٍ جاء ابن خال أحمد، قال للعائلة: "عُدت من تشييع جثمانه مرهقًا، فاستندت لأرتاح حتى نمت، وشاهدت أحمد ينام على سريرٍ من ذهب، ومن حوله أربع حوريات".

اخبار ذات صلة