قائمة الموقع

مقال: ( عَشْرُ صفات مانعات من الشراكةِ طوالَ عَشْرِ سنوات )

2016-02-15T07:33:36+02:00
د. يونس الأسطل

( إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ  (آل عمران (120)

منذ عام 2005م، ولا يكاد يمرُّ عام إلا ويشهد اتفاقاً على مصالحةٍ بين حركتي فتح وحماس، وربما تشارك معهما بقية الفصائل، كما في وثيقة الوفاق الوطني التي ذهبت إليها حماس تحت مطرقة الحصار وسندان الفلتان، وكانت بمثابة البنيان على شفا جرفٍ هارٍ؛ بدليل أنها إلى اليوم لم يَجْرِ تفعيلها رزمة واحدة، ذلك أن حركة فتح تضرب بالاتفاقيات عُرْضَ الحائط، أو تأخذ منها بنداً أو أكثر، وتتخذ الباقي وراءها ظِهْرِيَّاً، وقد بات مكشوفاً أنها كلما وقعت في ورطةٍ تمحكت بالمصالحة؛ للتغطية عليها، أو الإلهاء عنها، ولعل الأدقَّ في ذلك هو إظهار حركة حماس بصورة المتعنُّتِ، الراغب في إفشال جهود المصالحة، وعدم الأسى على بقاء الشعب في العَنَت، وإن اتفاق الشاطئ أصدق تعبيرٍ عن حقيقة النوايا المبيتة؛ لإبقاء الحصار، والسعي لإثارة الناس في وجه حماس؛ إذْ جرى فرض حكومة وُصِفَتْ بالوفاق، وهي أبعد ما يكون عن ذلك، سواء في ميلادها الأول، أو في تنكرها للمجلس التشريعي، أو في إدارة ظهرها لغزة بالكامل، أو في ارتهانها مائةً بالمائة لبرنامج عباس الذي يؤدي القُدَّاس للتنسيق الأمني مع شرِّ الدوابِّ عند الله.

وفي كلِّ مرةٍ يقف الناس مشدوهين من انقلاب الفأل يأساً من تحسن الواقع، وتنعكس الخصومة السياسية على العلاقات الاجتماعية، بما يجعل الشَّرْخَ واسعاً وعميقاً؛ فهل يمكن للحراك الأخير أن يكون نموذجاً مختلفاً عمَّا سلف؟

إن آية المقال فيها بعض الجواب؛ ذلك أنها ثالثة ثلاث آيات، فيها عشر صفات، جاءت بمثابة تعليل للنهي عن اتخاذ بطانةٍ من دون المؤمنين، وذكرت منها أنهم "لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا"؛ أيْ لا يقصِّرون في إفساد دنياكم ودينكم، وأضافت أنهم " وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ "؛ حيثُ إذا عجزوا عن الإفساد بأنفسهم تمنوا لكم أشدَّ الضيق والكرب، وذكرتْ أيضاً أنهم " قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ "؛ فإنهم لا يطيقون كتمان ما يغلي في صدورهم، من العداوة والبغضاء، حتى إنَّ ذلك لَيتفلَّتُ على ألسنتهم، فكيف إذا كانوا يسلقونكم بألسنةٍ حدادٍ، ويبسطون إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء، حتى إنكم لتسمعون منهم أذىً كثيراً؟!

تلك أربع صفات عقَّب عليها ربنا تبارك وتعالى بقوله: " قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ " أيْ أن هذه الصفاتِ كافية لعدم الاطمئنان إلى أولئك القوم لمن تدبَّر بعقله، وأدرك خطورة تلك البطانة، فلم يُفْشِ لهم أسرارنا، ولم يستشرهم في أمورنا.

ثم جاء في الآية التالية، وزادنا أربع نعوتٍ أخرى لهم، فقال: " هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ "؛ أي تتمنون لهم الخير والسعادة عبر الْتزامهم بالإسلام، وطاعة الرحمن، ومع ذلك فإنهم يقابلون تلك النوايا الحسنة بنقيضها،، وأضاف: " وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ "، والمراد أنهم لا يؤمنون به كلِّه، فربما كانوا ممن يؤمنون ببعض الكتاب، ويكفرون ببعض، أو كان بعضهم ممن يقولون: " لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ " أو كان ممن: إذا تتلى عليه آيات الرحمن خَرَّوا عليها صُمَّاً وعمياناً، أو تَعْرِفُ في وجوههم المنكر، يكادون يَسْطُونَ -أيْ يبطشون- بالذين يتلون عليهم آيات ربهم.

 ثم ذكر صفة النفاق عندهم، فقال: " وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا: آَمَنَّا، وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ " وهذه الصفة ثابتة للمنافقين واليهود على حدٍّ سواء، كما سبق في سورة البقرة في معرض صفات المنافقين:" وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ " الآية (14)، والمراد بالشياطين هنا أولياؤهم من اليهود، بينما فضح نفاق اليهود أنفسِهم في قوله تعالى: " وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ " الآية (76)

 وأما عضُّ الأنامل من الغيظ فهو كناية عن أشدِّ البغض، وإرادة الانتقام، ولكنَّ الله عز وجل قد لَقَّنَ نبيَّه أن يقول لهم: " مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ "؛ أيْ أن الإسلام سينتصر، وإن أمر الله سيظهر، وإنكم ستظلون في غيظكم معذبين به إلى موتكم؛ لأن مكركم سيبور، ولن يحيق إلا بأهله، فإن الله مُظْهِرٌ هذا الدين على الدين كلِّه، ولو كره المشركون.

وأما آية المقال ففيها الصفتان الأخيرتان، وتلك عشرة كاملة؛ ذلك أنكم إنْ تمسسكم أدنى حسنةٍ تَسُؤْهم، سواء كانت إطعاماً من جوعٍ، أو تأميناً من خوف، أو غيرها من أَنْعُمِ الله التي إنْ تعدوها لا تحصوها، وفي المقابل؛ فإنكم لو وقعتم في داهيةٍ كبيرة؛ فإن قلوبهم لا تلين للمصائب العظيمة، خلافاً للفطرة التي تشفق على ذوي النوازل والكوارث؛ مهما كانت العداوة والخُصُومة، بينما هؤلاء يفرحون بها، كما قال ربُّنا عز وجل عن المنافقين الذين قعدوا مع القاعدين في غزوة العسرة يوم تبوك: " إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ " التوبة (50).

وقد ختم آية المقال بالدعوة إلى الصبر والتقوى مكافئاً على ذلك بألَّا يَضُرَّنا كيدهم شيئاً، إن الله بما يعملون محيط، وقد صبرنا واتقينا؛ فهل ضَرَّنا التعاون الأمني مع الاحتلال إلا أذىً، وهل حال دون تحقيق الإنجازات الكبرى في بضع سنين منذ عام 2005م إلى سنة 2014؟!، حيثُ جلاء الاحتلال عن غزة، والفوز الكاسح في الانتخابات البلدية والبرلمانية، وتطهير القطاع من الفوضى والفلتان، والصمود في حرب الفرقان، وانتزاع الأسرى في صفقة وفاء الأحرار، وإيلام العدو في حجارة السجيل بضرب العاصمة (تل الربيع)، وكذلك غربي القدس، حتى إذا كانت العصف المأكول بدتْ قوات النخبة أمام المقاومة مشلولةً في الحرب البرية، فضلاً عن تآكل قوة الردع، ونقل الحرب إلى القلب من الكيان، ولم تعد خاطفة كما عهدوها من قبل، بل صار الجنود الصهاينة جيشَ دفاعٍ بالفعل، والله وحده هو العليم بما في أحشاء الأيام أو الأعوام القريبة القادمة.

فهل يعتبر أصحاب المكر والكيد من العقد الماضي، أم على قلوب أقفالها؛ حتى يَجِيءَ الحقُّ، ويظهرَ أَمْرُ الله وهم كارهون؟!!

    وحسبنا الله، ونعم الوكيل

اخبار ذات صلة